كتاب جامع الأصول (اسم الجزء: 3)

الفرع الثاني من الفصل الثاني: في التلبية والإهلال، وفيه نوعان
النوع الأول: في وقتها ومكانها
1362 - (خ م ط ت د س) عبد الله بن عمر بن الخطاب -رضي الله عنهما- قال: «بَيْدَاؤُكُمْ هذه، التي تَكْذِبُون على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيها (¬1) ، ما أهلَّ -[82]- رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- إلا من عندِ المسجدِ، يعني: مَسجدَ ذي الحلَيْفَةِ» .
وفي رواية: «ما أهَلَّ رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- إلا من عندِ الشَّجَرَةِ، حين قامَ به بَعِيرُهُ» (¬2) .
وفي أخرى قال: «كان رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- إذا وضَعَ رِجْلهُ في الغَرزِ، واسْتَوَت بهِ راحِلَتُهُ قائمَة، أهلَّ من عندِ مَسْجِدِ ذي الحُلَيْفَةِ» .
وفي أخرى: «رأيتُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يَرْكبُ راحلتهُ بذي الحُليْفَةِ، ثم يُهِلُّ، حين تَسْتَوي به قائِمَةً» . هذه روايات البخاري ومسلم.
وأخرج الباقون الرواية الأولى، وزاد فيها الترمذي: «من عند الشجرة» وأخرج النسائي أيضاً الرواية الآخرة.
وفي أخرى للنسائي قال: «قلتُ لابنِ عمر: رأيْتُكَ تُهِلُّ إذا استوتْ بك ناقَتُكَ؟ قال: إنَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يُهلُّ إذا استوتْ به ناَقتُهُ وانْبَعَثَتْ» (¬3) . -[83]-
S (بَيداؤكم) : البيداء: البرية، والمراد به في الحديث: موضع مخصوص بين مكة والمدينة.
(الغَرْز) : رِكاب الرحل الذي تركب به الإبل، إذا كان من جلد، فإن كان من خشب أو حديد فهو ركاب.
¬__________
(¬1) قال النووي في " شرح مسلم " 1 / 376: قوله: " بيداؤكم هذه التي تكذبون على رسول الله - الخ " قال العلماء: هذه البيداء هي: الشرف الذي قدام ذي الحليفة إلى جهة مكة، وهي بقرب ذي الحليفة. وسميت بيداء؛ لأنه ليس فيها بناء ولا أثر. وكل مفازة تسمى: بيداء، وأما هنا فالمراد بالبيداء ما ذكرناه.
وقوله: " تكذبون على رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها " أي تقولون: إنه صلى الله عليه وسلم أحرم منها، ولم يحرم منها، وإنما أحرم قبلها من عند مسجد ذي الحليفة، ومن عند الشجرة التي كانت هناك، وكانت عند المسجد. وسماهم ابن عمر كاذبين؛ لأنهم أخبروا بالشيء على خلاف ما هو، وقد سبق في أول هذا الشرح في مقدمة " صحيح مسلم " أن الكذب عند أهل السنة: هو الإخبار عن الشيء بخلاف ما هو عليه، سواء تعمده أم غلط فيه وسها. وفيه دلالة: أن ميقات أهل المدينة من عند مسجد ذي الحليفة، ولا يجوز لهم تأخير الإحرام إلى البيداء، وبهذا قال جميع العلماء. وفيه: أن الإحرام من الميقات أفضل من دويرة أهله؛ لأنه صلى الله عليه وسلم ترك الإحرام من مسجده مع كمال شرفه -[82]- فإن قيل: إنما أحرم من الميقات لبيان الجواز. قلنا: هذا غلط من وجهين. أحدهما: أن البيان قد حصل بالأحاديث الصحيحة في بيان المواقيت. والثاني: أن فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما يحمل على بيان الجواز في شيء يتكرر فعله كثيراً، فيفعله مرة أو مرات على الوجه الجائز، لبيان الجواز، ويواظب غالباً على فعله على أكمل وجوهه، وذلك كالوضوء مرة ومرتين وثلاثاً كله ثابت، والكثير أنه صلى الله عليه وسلم توضأ ثلاثاً ثلاثاً. وأما الإحرام بالحج، فلم يتكرر، وإنما جرى منه صلى الله عليه وسلم مرة واحدة، فلا يفعله إلا على أكمل وجوهه. والله أعلم.
(¬2) وسيأتي توضيح ذلك في حديث سعيد بن جبير عن ابن عباس من رواية أبي داود رقم (1364) .
(¬3) أخرجه البخاري 3 / 318 في الحج، باب الإهلال عند مسجد ذي الحليفة، ومسلم رقم (1186) -[83]- في الحج، باب أمر أهل المدينة بالإحرام من عند مسجد ذي الحليفة. والموطأ 1 / 332 في الحج، باب العمل في الإهلال، والترمذي رقم (818) في الحج، باب ما جاء من أي موضع أحرم النبي صلى الله عليه وسلم، وأبو داود رقم (1771) في الحج، باب وقت الإحرام، والنسائي 5 / 162 و 163 و 164 في الحج، باب العمل في الإهلال، وأخرجه ابن ماجة رقم (2916) في المناسك، باب الإحرام.
Mصحيح: أخرجه مالك «الموطأ» (220) . والحميدي (659) قال: ثنا سفيان. وأحمد (2/10) (4570) قال: ثنا سفيان. وفي (2/28) (4820) قال: ثنا روح، قال: حدثنا شعبة. وفي (2/66) (5337) قال: قرأت على عبد الرحمن عن مالك. (ح) وحدثنا روح، قال: حدثنا مالك. وفي (2/85) (5574) قال: حدثنا محمد بن جعفر، قال: حدثنا شعبة. وفي (2/111) (5907) قال: حدثنا مؤمل، قال: حدثنا سفيان. وفي (2/154) (6428) قال: حدثنا يحيى بن آدم، قا: حدثنا زهير. والبخاري (2/168) قال: حدثنا علي بن عبد الله، قال: حدثنا سفيان (ح) وحدثنا عبد الله بن مسلمة، عن مالك. ومسلم (4/8) قال: حدثنا يحيى بن يحيى، قال: قرأت على ملك (ح) وحدثناه قتيبة بن سعيد قال: حدثنا حاتم، يعني ابن إسماعيل. وأبو داود (1771) قال: حدثنا القعنبي، عن مالك. والترمذي (818) قال: حدثنا قتيبة بن سعيد، قال: حدثنا حاتم بن إسماعيل. والنسائي (5/162) قال: أخبرنا قتيبة عن مالك. و «ابن خزيمة» (2611) قال: حدثنا يحيى بن حكيم، قال: حدثنا سفيان ابن عيينة. ستتهم -مالك، وسفيان بن عيينة، وشعبة، وسفيان الثوري، وزهير بن معاوية، وحاتم بن إسماعيل -عن موسى بن عقبة، قال: سمعت سالم بن عبد الله، فذكره.
(*) لفظ رواية شعبة: «كان عبد الله بن عمر يكاد أن يلعنَ البَيْداءَ، ويقول: أحْرَمَ رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- من المسجد» .
(*) لفظ رواية سفيان الثوري: «كان ابن عمر إذا ذُكِرَ عِنده البيداء، يسُبُّها، أو كاد يسبها، ويقول: إنما أحرم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من ذي الحُلَيفة» .
(*) في رواية حاتم بن إسماعيل، ذكر الحديث، إلا أنه قال: «ما أهلَّ رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- إلا من عند الشجرة، حين قام به بَعيرُه» .
والرواية الأخرى من طريق نافع، عنه:
1 - أخرجه أحمد (2/29) (4842) قال: حدثنا محمد بن عبيد. وفي (2/37) (4947) قال: حدثنا حماد بن أسامة. والدارمي (1935) قال: أخبرنا عبد الله بن سعيد، قال: حدثنا عقبة بن خالد. والبخاري (4/37) قال: حدثني عبيد بن إسماعيل، عن أبي أسامة. ومسلم (4/9) قال: حدثنا أبو بكر ابن أبي شيبة، قال: حدثنا علي بن مسهر. وابن ماجة (2916) قال: حدثنا محرز بن سلمة العدني، قال: حدثنا عبد العزيز بن محمد بالدراوردي.
خمستهم (محمد بن عبيد، وحماد بن أسامة، أبو أسامة، وعقبة بن خالد، علي بن مسهر، وعبد العزيز بن محمد الدراوردي) عن عبيد الله بن عمر.
2 - وأخرجه أحمد (2/36) (4935) قال: حدثنا محمد بن بكر. والبخاري (2/171) قال: حدثنا أبو عاصم. ومسلم (4/9) قال: حدثني هارون بن عبد الله. قال: حدثنا حجاج بن محمد. والنسائي (5/163) قال: أخبرنا عِمران بن يزيد، قال أنبأنا شعيب (ح) وأخبرني محمد بن إسماعيل بن إبراهيم. قال: حدثنا إسحاق، يعني ابن يوسف.
خمستهم - محمد بن بكر، وأبو عاصم النبيل، وحجاج بن محمد، وشعيب بن إسحاق، وإسحاق بن يوسف - عن ابن جريج، قال: أخبرني صالح بن كيسان.
كلاهما - عبيد الله بن عمر، وصالح بن كيسان - عن نافع، فذكره.

الصفحة 81