كتاب جامع الأصول (اسم الجزء: 5)
2984 - (د) عبد الله بن الهوزني - وهو عبد الله بن لحي الحمصي - رحمه الله - قال: «لَقِيتُ بلالاً - مؤذِّنَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم- بحَلَبَ، فقلتُ: يا بلالُ، كيف كانت نفقة نبيِّ الله - صلى الله عليه وسلم-؟ فقال: ما كان له شيء، كنت أنا الذي أَلي ذاكَ منه، منذُ بعثه الله تعالى إلى أَن تَوفَّاه، وكان إذا أتاه الإنسان مسلماً فيراه (¬1) عارياً، يأمرني فأنطَلِقُ فأستَقرِضُ، فأشتري له البُرْدَة، فأَكسوه وأُطعِمُه، حتى اعْترَضَنِي يوماً رجل من المشركين، فقال: يا بلال، [إنَّ] عندي سَعَة، فلا تسْتَقرِضْ من أَحد إلا منِّي، ففعلتُ. فلما أَن كان ذاتَ يوم توضأتُ ثم قمتُ لأُؤَذِّن للصلاة، فإذا المشرك قد أقبل في عِصابة من التجار، فلما رآني قال: يا حبشيّ: قلت: يا لبَّاهُ، فَتَجَهَّمَني، وقال لي قولاً غليظاً، وقال لي أتَدْرِي كم بينك وبين الشهر؟ قلت: قريب. قال إنما بينك وبينه أربع، فآخُذُكَ بالذي عليك، فأرُدُّكَ تَرْعَى الغنم كما كنتَ قبل ذلك، فأجد في نفسي ما أجد في أَنفُسِ الناس (¬2) حتى إذا صلَّيت العَتَمةَ، رجع رسول الله -[7]- صلى الله عليه وسلم- إلى أَهله، فاستَأذنتُ عليه، فأذن لي، فقلتُ: يا رسولَ الله، بأَبِي أَنت [وأمِّي] ، إن المشرك الذي كنتُ أتديَّنُ منه قال لي كذا وكذا، وليس عندك ما تقضي عنِّي، ولا عندي، وهو فاضِحي، فائْذَنّ لي في أن آبقَ إلى بعض هؤلاء الأحياء الذين [قد] أسْلَمُوا، حتى يرزقَ الله رسولَه -صلى الله عليه وسلم- ما يقضي عني. قال فخرجت، حتى أتيتُ منزلي، فجعلتُ سَيْفِي وجرابي ونعلي ومجَنِّي عند رأسي، حتى إذا انْشَقَّ عمُودُ الصبْحُ الأول أردت أن أنطلق، فإذا إنسان [يسعى] يدعو: يا بلال: أجِبْ رسولَ الله، فانطلقتُ حتى أتيته، فإذا أربع رَكَائِبَ مُناخات عند الباب، عليهن أَحْمَالُهُنَّ، فاستأَذنتُ، فقال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: أبْشِرْ، فقد جاء الله تعالى بقضائك، ثم قال: ألم تَرَ الرَّكائبَ المُنَاخَاتِ الأربعَ؟ قلت: بلى، قال: فإن لك رِقابَهُنَّ وما عليهن، وإن عليهن كُسْوَة وطعاماً، أهْدَاهُنَّ إليَّ عظيمُ فَدَك فاقْبِضْهُنَّ واقضِ دَينك، ففعلت -[فذكر الحديث - قال] : ثم انطلقتُ إلى المسجد، فإذا فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قاعد، فسلَّمتُ عليه، فقال: ما فعل ما قِبَلكَ؟ قلت: قد قضى الله كلَّ شيء كان على رسول الله - صلى الله عليه وسلم-[فلم يبق شيء] ، قال: أَفضُلَ شيء؟ قلت: نعم، قال: انظُرْ أن تُريحَنِي منه، فإني لستُ بداخل على أحد من أهلي حتى تُريحَني منه، فلما صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم- العتمة دعاني، فقال: ما فعل الذي قِبَلك؟ قلت: هو معي، لم يأتنا أحد، فبات رسول الله - صلى الله عليه وسلم- في المسجد، وأقام فيه [وقص الحديث قال] : حتى [إذا] صلى العتمة من الغدِ - ثم دعاني، -[8]- فقال: ما فعل الذي قِبَلك؟ فقلت: قد أراحك الله منه [يا رسول الله] فكَّبَر وحَمِدَ الله - قال: وإنما كان يفعل ذلك شفقاً من أن يُدْركَه الموت وعنده ذلك - ثم اتَّبَعْتُه حتى جاء أزْوَاجهُ، فسلَّم على امرأة امرأة، حتى أتى التي عندَها مَبيتُه. فهذا الذي سأَلْتَني عنه» أخرجه أبو داود (¬3) .
S (عصابة) : العصابة: الجماعة من الناس.
(تجهمني) : رجل جهم الوجه: كريه كالح، وجهمت الرجل وتجهمته: إذا كلحت في وجهه.
(أبق) : العبد يأبق: إذا هرب من مولاه.
(مِجَنِّي) : المِجَن: الترس، وهو من الجُنَّة التي تقي الإنسان.
(ركائب) : الركائب: جمع ركوبة، وهي ما يركب عليه من الإبل، كالحمولة: ما يحمل عليه منها.
(رقابهن) : الرقاب: جمع رقبة، وهي كناية عن الذات جميعها، يقال: لك رقبة هذا العبد أو الفرس أو الجمل، أي: هو لك. ومنه قوله تعالى {فتحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [النساء: 92] أي إعتاق عبد أو أمة. -[9]-
(شفقاً) : الشفق: الخوف، وكذلك الإشفاق.
¬__________
(¬1) في نسخ أبي داود المطبوعة: فرآه.
(¬2) في بعض النسخ: فأخذ في نفسي ما يأخذ في أنفس الناس.
(¬3) رقم (3055) في الإمارة، باب في الإمام يقبل هدايا المشركين، ورجال إسناده ثقات، كما قال الشوكاني في " نيل الأوطار ".
Mأخرجه أبو داود (3055) قال: حدثنا أبو توبة الربيع بن نافع، وفي (3056) قال: حدثنا محمود ابن خالد، قال: حدثنا مروان بن محمد.
كلاهما - الربيع، ومروان - قالا: حدثنا معاوية بن سلام، عن زيد، أنه سمع أبا سلام قال: حدثني عبد الله الهوزني، فذكره.
الصفحة 6
760