كتاب جامع الأصول (اسم الجزء: 5)

4037 - (خ م ط ت س) عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما -: قال: رأيتُ رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- إذا أعْجَلهُ السَّيْر في السفر يؤخِّر المغرب حتى يجمعَ بينها وبين العشاء، قال سالم: «وكان عبد الله يفعله إذا أعجله السَّيْرُ» قال البخاري: وزاد الليث: حدَّثني يونس عن ابن شهاب قال سالم: «كان ابن عمر يجْمَعُ بين المغربِ والعشاءِ بالمزدلفة» قال سالم: «وأخَّرَ ابنُ عُمَرَ المغربَ - وكان استُصْرخ على امرأته صفية بنت أبي عُبيد - فقلت له: الصلاةَ؟ فقال: سِر، فقلت: الصلاة؟ فقال: سِر، حتى سار مِيلين أو ثلاثة، ثم نزل فصلَّى، ثم قال: هكذا رأيتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم- يصلي إذا أعجله السَّيْرُ، وقال عبد الله: رأيتُ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم- إذا أعجله السَّيْرُ، يُقيمُ المغربَ فيُصَلِّيها ثلاثاً، ثم يسلِّم، ثم قلَّما يَلْبَثُ حتى يُقيمَ العِشاء، فيُصَلِّيها ركعتين، ثم يُسلِّم، ولا يُسبِّح بعدَ العِشاءِ حتى يقوم من جوف الليل» هكذا في زيادة الليث، وفي رواية -[714]- شعيب (¬1) عن الزهري: أن ذلك عن فعل ابن عمر من قول الراوي: «ثم قلَّما يلبَثُ» ، لم يسنده، وفي أخرى للبخاري عن أسلَم مولى عمر قال: «كنتُ مَعَ عبد الله بنِ عمر بطريق مكةَ، فبلغه عن صفية بنت أبي عُبيد شدَّةُ وجع، فأسرع السَّيْر، حتى كان بعد غروب الشفق، ثم نزل فصلى المغرب والعَتَمَةَ، وجمع بينهما، وقال: أني رأيتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم-[إذا] جدَّ به السَّيْرُ أخَّرَ المغرب وجمع بينهما» .
وفي رواية لمسلم عن نافع: أنَّ ابنَ عمر كان إذا جدَّ به السيرُ جمع بين المغرب والعشاء بعد أن يغيب الشفق، ويقول: «إنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم- كان إذا جدَّ به السَّيْرُ جمع بين المغرب والعشاء» وفي أخرى: «كان إذا عَجِلَ به السْيرُ جمع بين المغرب والعشاء» . وأخرج الموطأ هذه الرواية الآخرة، وأخرج أبو داود عن نافع وعبد بن واقد «أن مؤذِّن ابنِ عمرَ قال: الصلاةَ قال: سِر، [سِرْ] حتى إذا كان قبلَ غروبِ الشَّفق، نزل فصلَّى المغرب، ثم انتظر حتى غاب الشفق، فصلى العشاءَ، ثم قال: إنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم- كان إذا عَجِلَ به أمر صنع مثل الذي صنعتُ، فسار في ذلك اليومَ والليلةَ مسيرة ثلاث» .
وفي رواية قال: «حتى إذا كان عند ذهاب الشفق نزل فجمع بينهما» وفي أخرى «أنَّ ابنَ عُمَرَ اسْتُصْرِخَ على صفيةَ وهو بمكةَ فسار حتى إذا غربت الشمس (¬2) وبدت النجوم قال: إن النبيَّ - صلى الله عليه وسلم- كان -[715]- إذا عَجِلَ به أمر في سفرِ جمع بين هاتين الصلاتين، فسار حتى غاب الشَّفقُ، فنزل فجمع بينهما» وفي أخرى (¬3) قال [عبد الله] بن دينار: «غابت الشمس وأنا عند ابن عمر، فسِرنا، فلما رأيناه قد أمسى قلنا له: الصلاةَ فسار حتى غابَ الشفقُ، وتصوَّبتِ النجوم، ثم إنه نزل فصلَّى الصلاتين جميعاً، ثم قال: رأيتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم- إذا جدَّ به السَّيْرُ صلَّى صلاتي هذه، يقول: يجمع بينهما بعد ليل» قال أبو داود: رواه إسماعيل بن ذُؤيب «أن الجمع بينهما كان من ابن عمرَ بعد غُيوب الشفق» .
وله في أخرى أن ابنَ عمر قال: «ما جمعَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم- قطُّ بين المغرب والعشاء في سفر إلا مرة» قال أبو داود: وهذا يُروى عن أيوبَ عن نافع موقوفاً على ابن عمر «أنه لم يرَ ابن عمر جمع بينهما قطُّ إلا تلك الليلةَ - يعني: ليلةَ استُصرِخَ على صفيةَ» وفي أخرى: «أنه رأى ابن عمر فعل ذلك مرة أو مرتين» .
وفي رواية الترمذي «أن ابنَ عُمَرَ استُغِيثَ على أهله، فجدَّ به السَّيْرُ» ... وذكر الحديث. وفي رواية النسائي «أن صفية بنت عبيد كانت تحتَ ابنِ عُمَرَ، فكتبتْ إليه وهو في زراعة له: إني في آخرِ يوم من الدُّنيا وأوَّل يوم من الآخرة، فركب فأسْرَعَ السَّيرَ، حتى إذا كانتْ صلاةُ الظهر، قال له المؤذِّنُ: الصلاةَ -[716]- يا أبا عبد الرحمن، فلم يلتفتْ، حتى إذا كان بين الصلاتين قال: أقم، فإذا سلَّمت فأقمِ، فصلَّى، ثم ركب، حتى إذا غابت الشمس قال له المؤذِّن: الصلاةَ، قال: كفِعلك في صلاة الظهر، والعصر، ثم سار حتى إذا اشتبكت النجوم نزل ثم قال للمؤذِّن: أقم الصلاة، فإذا سلَّمتَ فأقمْ، فصلَّى ثم انصرف، فالتفت إلينا فقال: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم-: إذا حضرَ أحدَكم الأمرُ الذي يخافُ فوتَه: فليُصلِّ هذه الصلاةَ» . وفي آخر له نحوه، وفي أوله قال «سألنا سالم بنَ عبد الله عن الصلاة في السفر، فقلنا: أكان عبد الله يجمع بين شيء من الصلوات في السفر؟ فقال: لا، إلا بِجَمع ... » وذكر الحديث. وقال فيه: «ثم سلَّم واحدة تِلْقاءَ وجهه» وفي أخرى له: قال نافع: «خرجتُ مع ابن عمرَ في سفرِ، يريد أرضاً له، فأتاه آتٍ، فقال: إن صفيَّةَ بنت أبي عبيد لما بها، فانظر أن تدرِكها، فخرج مُسرِعاً، ومعه رجل من قريش يُسَايرُه، وغابت الشْمسُ، فلم يقل: الصلاةَ، وعهدي به وهو يحافظ على الصلاة، فلما أبطأ، قلنا: الصلاةَ يرحمكَ الله، فالتفت إليَّ ومضى، حتى إذا كان آخرُ الشَّفقِ نزلَ فصلَّى المغرب، ثم أقام العشاءَ وقد توارى الشَّفقُ، فصلَّى بنا، ثم أقبل علينا فقال: إن رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم- كان إذا عَجِلَ به السَّيْرُ صنع هكذا» .
وله في أخرى مختصراً قال: «رأيتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم- إذا عَجِلَ به السَّيْرُ في السفر يؤخِّرُ صلاةَ المغرب حتى يجمع بينها وبين العشاء» ، وفي أخرى «إذا جدَّ -[717]- به أمر - أو جدَّ به السَّيْرُ» .
وفي أخرى له عن إسماعيل بن عبد الرحمن - شيخ من قريش - قال: «صحبتُ ابنَ عمرَ إلى الحِمَى، فلما غربت الشمْسُ، هِبْتُ أن أقولَ له: الصلاةَ، فسار حتى ذهب بياضُ الأُفُق وفَحْمَةُ العشاء، ثم نزل فصلَّى المغرب ثلاثَ ركعات، ثم صلى ركعتين على إثْرِها، ثم قال: كذا رأيتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم- يفعل» (¬4) .
S (اسْتُصْرِخ) : فلان: إذا أتاه الصارخ يُعْلِمُه بأمر حادث يستعين به عليه، أو ينْعِي له ميتاً، واسْتِصرَاخ الحي على الميت: الاستعانة به، ليقوم بشأنه وتجهيزه، وعلى المريض، ليقوم بتمريضه، ويحضر وصيته وموته.
(تَصَوَّبَت النجوم) : انحدرت، والتصويب: ضد التصعيد.
(فَحْمَة العشاء) : شدة سواد الليل وظلمته، قال الأزهري: وإنما -[718]- يكون ذلك في أوله حتى إذا سكن نُورُهُ قلَّت ظلمته.
قلت: وما أظن ذلك إلا لأمرين، أحدهما: أن النجوم تظهر جميعها وتُزهر، فينبسط نورها ويكثر، فتقلُّ ظلمة الليل. والآخر: أن العين إذا نظرت إلى الظلمة ابتداءاً لا تكاد ترى شيئاً، لا سيما إذا انتقلت إليها من ضوء، فمتى ألِفَت الظلمة ساعة من زمان قوي نظرها، ورأت الأشياء فيها خيراً مما كانت في الأول، وحينئذ تقل الظلمة في النظر، والله أعلم.
¬__________
(¬1) هو شعيب بن أبي حمزة الراوي عن الزهري.
(¬2) في المطبوع: حتى إذا غاب الشفق.
(¬3) في المطبوع: وفي أخرى لهما، وهو خطأ، فإن هذه الروايات لأبي داود.
(¬4) رواه البخاري 2 / 478 في تقصير الصلاة، باب الجمع في السفر بين المغرب والعشاء، وباب يصلي المغرب ثلاثاً في السفر، وباب هل يؤذن أو يقيم إذا جمع بين المغرب والعشاء، وفي الحج، باب المسافر إذا جد به السير يعجل إلى أهله، وفي الجهاد، باب السرعة في السير، ومسلم رقم (703) في صلاة المسافرين، باب جواز الجمع بين الصلاتين في السفر، والموطأ 1 / 144 في قصر الصلاة، باب الجمع بين الصلاتين في الحضر والسفر، وأبو داود رقم (1207) و (1209) و (1212) و (1213) و (1217) في الصلاة، باب الجمع بين الصلاتين، والترمذي رقم (555) في الصلاة، باب ما جاء في الجمع بين الصلاتين، والنسائي 1 / 287 و 289 في مواقيت الصلاة، باب الجمع بين المغرب والعشاء، وباب الحال التي يجمع فيها بين الصلاتين.
Mصحيح:
1- أخرجه الحميدي (616) وأحمد (2/8) (4542) والدارمي (1525) قال: حدثنا محمد بن يوسف والبخاري (2/57) قال: حدثنا علي بن عبد الله. ومسلم (2/150) قال: حدثنا يحيى بن يحيى، وقتيبة بن سعيد، وأبو بكر بن أبي شيبة، وعمرو الناقد. والنسائي (2891) قال: أخبرنا محمد بن منصور، وابن خزيمة (964) قال: حدثنا عبد الجبار بن العلاء وفي (965) قال: حدثنا يعقوب الدورقي، وسعيد بن عبد الرحمن، ويحيى بن حكيم.
جميعهم - الحميدي، وأحمد بن حنبل، ومحمد بن يوسف، وعلي بن عبد الله، ويحيى بن يحيى، وقتيبة، وأبو بكر بن أبي شيبة، وعمرو الناقد، ومحمد بن منصور، وعبد الجبار بن العلاء، ويعقوب الدورقي، وسعيد بن عبد الرحمن، ويحيى بن حكيم - عن سفيان بن عيينة.
2- وأخرجه أحمد (2/148) (6354) قال: حدثنا عبد الرزاق، قال: حدثنا معمر.
3- وأخرجه البخاري (2/55، 58) قال: حدثنا أبو اليمان. والنسائي (1/287) قال: أخبرني عمرو بن عثمان، قال: حدثنا بقية (ح) وأنبأنا أحمد بن محمد بن المغيرة، قال: حدثنا عثمان. وفي الكبرى (1484) قال: أخبرنا أحمد بن محمد بن المغيرة، قال: حدثنا عثمان.
ثلاثتهم - أبو اليمان، وبقية، وعثمان بن سعيد بن كثير- عن شعيب بن أبي حمزة.
4- وأخرجه مسلم (2/150) قال: حدثني حرملة بن يحيى، قال: أخبرنا بن وهب، قال: أخبرني يونس.
أربعتهم - سفيان بن عيينة، ومعمر، وشعيب بن أبي حمزة، ويونس بن يزيد - عن الزهري، قال: أخبرني سالم، فذكره.

الصفحة 713