كتاب جامع الأصول (اسم الجزء: 11)

8562 - (س) عبد الله بن عباس - رضي الله عنهما- قال: «لمَّا حُضِرَتْ بنت لرسول الله صغيرة (¬1) ، أخذها رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم- وضمها إلى صدره، ثم وضع يده عليها، [فَقَضَتْ] وهي بين يَدَيْ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم-، فَبَكَتْ أمُّ أيمن، فقال لها رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم-: يا أَم أيمن، أتبكين ورسولُ الله - صلى الله عليه وسلم- عندك؟ فقالت: مالي لا أبكي ورسولُ الله - صلى الله عليه وسلم- يبكي؟ فقال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم-: إني لستُ أَبكي، ولكنها رحمة، ثم قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم-: المؤمنُ بخير على كل حال، تُنْزَعُ نَفْسُه من بين جنبيه، وهو يَحمد الله عز وجل» أخرجه النسائي (¬2) .
¬__________
(¬1) هي بنت زينب من أبي العاص بن الربيع.
(¬2) 4 / 12 في الجنائز، باب في البكاء على الميت، وهو حديث حسن.
Mأخرجه أحمد (1/268) (2412) قال: حدثنا معاوية بن عمرو، قال: حدثنا أبو إسحاق. وفي (1/273) (2475) قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا سفيان. وفي (1/297) (2704) قال: حدثنا أسود بن عامر، قال: حدثنا إسرائيل. وعبد بن حميد (593) قال: حدثنا الحسن بن موسى، قال: حدثني سعيد بن زيد - هو أخو حماد بن زيد -. والترمذي في «الشمائل» (325) قال: حدثنا محمود ابن غيلان، قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا سفيان. والنسائي (4/12) قال: أخبرنا هناد بن السري، قال: حدثنا أبو الأحوص.
خمستهم - أبو إسحاق، وسفيان، وإسرائيل، وسعيد بن زيد، وأبو الأحوص - عن عطاء بن السائب، عن عكرمة، فذكره.
8563 - (خ م س) ابن أبي مليكة قال: «توفيَتْ بنتٌ لعثمانَ بنِ عفانَ بمكةَ، فجئنا نشهدُها، وحضرها ابنُ عمر وابنُ عباس، فإني لجالس بينهما، فقال عبد الله بنُ عمر لعمرو بن عثمان - وهو مواجهه - ألا تَنْهى عن البكاء، فإن رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم- قال: إن الميِّتَ ليعذَّبُ ببكاءِ أهلهِ عليه؟ فقال ابنُ عباس: قد كان عمرُ يقول بعضَ ذلك، ثم حدَّث، فقال: -[92]- صدرتُ مع عمر من مكة، حتى إذا كنَّا بالبَيداءِ، فإذا هو بِرَكْبٍ تحت ظِلِّ شجرة، فقال: اذهب فانظر مَن هؤلاء الركب؟ فنظرت، فإذا [هو] صُهيب، قال: فأخبرتُه، فقال: ادعُه، فرجعتُ إلى صهيب، فقلت: ارتحل، فالحق بأمير المؤمنين، فلما أن أصيب [عمر] دخل صهيب يبكي، يقول: وا أخاه، وا صاحباه، فقال عمر: يا صهيب، أتبكي عَليَّ وقد قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم-: إن الميِتَ ليعذَّبُ ببعضِ بكاءِ أهله عليه؟ فقال ابنُ عباس: فلما مات عمر ذكرتُ ذلك لعائشة، فقالت: يرحم الله عمر، لا والله ما حدَّثَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم-: إنَّ الميتَ يعذَّب ببكاء أهله عليه، ولكن قال: إن الله يزيد الكافر ببكاء أهله عليه، وقالت عائشة: حَسْبُكم القرآن {ولا تَزِرُ وازرةٌ وِزْرَ أُخرى} قال ابن عباس عند ذلك: واللهُ أَضحَكَ وأبكى، قال ابن أبي مليكة: فما قال ابن عمر شيئاً» أخرجه البخاري ومسلم.
وفي رواية النسائي قال: قالت عائشة: «إنما قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم-: إن الله يزيد الكافر عذاباً ببعض بكاء أهله [عليه] » .
وله في أخرى: قال ابن أبي مليكة «لما هلكتْ أُمُّ أبان حضرتُ مع أناس، فجلستُ بين عبد الله بن عمر، وابنِ عباس، فبكين النساء، فقال ابن عمر: ألا تنهى هؤلاء عن البكاء، فإني سمعتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم- يقول: إن الميتَ ليعذَّب ببعضِ بكاءِ أهله عليه؟ فقال ابنُ عباس: قد -[93]- كان عمر يقول بعضَ ذلك، خرجت مع عمر، حتى إذا كنا بالبيداء رأى راكباً تحت شجرة، فقال: انظر من الركب، فذهبت، فإذا صهيبٌ وأهله، فرجعت إليه، فقلت: يا أمير المؤمنين، هذا صهيب وأهله، فقال: عَلَيَّ بصهيب، فلما دخلنا المدينة أصيب عمر، فجلس صُهيب يبكي عنده، يقول: وا أخَيَّاه، وا أُخَيَّاه، فقال [عمر] : يا صهيب، لا تبكِ، فإني سمعتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم- يقول: إنَّ الميت ليعذَّب ببعض بكاءِ أهلِه عليه، قال: فذكرتُ ذلك لعائشةَ، فقالت: أما والله ما تُحدِّثون هذا الحديث عن كاذِبَين مُكَذَّبَيْن، ولكن السمعَ يُخطئ وإن لكم في القرآن لَمَا يَشفيكم {ولا تزر وازرة وِزْرَ أُخرى} [فاطر: 18] ولكنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم- قال: إن الله ليزيد الكافر عذاباً ببكاءِ أهله عليه» (¬1) .
S (ولا تزر وازرة) الوِزْر: الإثم والذَّنْب المُثْقِلُ للظهر، والوازِرة: النفس المذنبة التي تذنب، والمراد: لا يحمل أحد من المذنبين ذَنْبَ غيره.
(يعذَّب ببكاءِ أهله عليه) قال الخطابي: يشبه أن يكون هذا من -[94]- حيث إنَّ العرب كانوا يوصون أهاليهم بالبكاء، والنَّوْح عليهم، وإشاعة النعي في الأحياء، وكان ذلك مشهوراً من مذاهبهم، وموجوداً في أشعارهم كثيراً، فالميت تلزمه العقوبة في ذلك لما تقدَّم من أمره إليهم في وقت حياته.
¬__________
(¬1) رواه البخاري 3 / 127 في الجنائز، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: " يعذب الميت ببكاء أهله عليه "، ومسلم رقم (928) في الجنائز، باب الميت يعذب ببكاء أهله عليه، والنسائي 4 / 18 و 19 في الجنائز، باب النياحة على الميت.
Mأخرجه الحميدي (220) قال: حدثنا سفيان. قال: حدثنا عمرو بن دينار. وأحمد (1/41) (288) قال: حدثنا إسماعيل، قال: حدثنا أيوب. وفي (1/42) (289 و 290) قال: حدثنا عبد الرزاق، قال: أنبأنا ابن جريج. وفي (6/138) قال: حدثنا وكيع، قال: حدثنا عبد الجبار بن ورد. والبخاري (2/101) قال: حدثنا عبدان، قال: حدثنا عبد الله، قال: أخبرنا ابن جريج. ومسلم (3/42) قال: حدثنا داود بن رشيد، قال: حدثنا إسماعيل ابن علية، قال: حدثنا أيوب. وفي (3/43) قال: حدثنا محمد بن رافع، وعبد بن حميد، قال ابن رافع: حدثنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا ابن جريج. وفي (3/44) قال: حدثنا عبد الرحمن بن بشر، قال: حدثنا سفيان، قال: قال عمرو. والنسائي (4/18) قال: أخبرنا سليمان بن منصور البلخي، قال: حدثنا عبد الجبار بن الورد.
أربعتهم - عمرو بن دينار، وأيوب، وابن جريج، وعبد الجبار بن ورد - عن عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة، فذكره.
(*) رواية وكيع عن عبد الجبار بن الورد مختصرة على: «عن ابن أبي مليكة، عن عائشة. قال: ذكر لها، إن الميت يعذب ببكاء الحي. فقالت: إنما قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في رجل كافر: «إنه ليعذب، وأهله يبكون عليه» .
(*) في رواية عمرو بن دينار: لم ينص على رفع الحديث عن ابن عمر، ولا عن عمر، عن النبي -صلى الله عليه وسلم-.
(*) قال أيوب في روايته: قال ابن أبي مليكة: حدثني القاسم بن محمد، قال: «لما بلغ عائشة قول عمر وابن عمر، قالت: إنكم لتحدثوني عن غير كاذبين ولا مكذبين، ولكن السمع يخطئ» .

الصفحة 91