كتاب جامع العلوم والحكم ت ماهر الفحل (اسم الجزء: 1)
وإلى هذا المعنى وقعت الإشارةُ في القرآن بقوله - عز وجل -: {وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ} (¬1) ، وبقوله - عز وجل -: {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} (¬2) .
وكان النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يأمرُ من غضبَ بتعاطي أسبابٍ تدفعُ عنه الغضبَ، وتُسَكِّنُهُ، ويمدح من ملك نفسَه عند غضبه، ففي " الصحيحين " (¬3)
عن سليمانَ بن صُرَد قال: استَبَّ رجلانِ عندَ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ونحنُ عنده جلوسٌ، وأحدُهما يَسُبُّ صاحبهُ مغضباً قد احمرَّ وجهُهُ، فقال النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: ((إني لأعْلَمُ كلمةً لو قالها لذهبَ عنه ما يجد، لو قال: أعوذُ بالله من الشَّيطان الرجيم)) فقالوا للرجل: ألا تسمعُ ما يقولُ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -؟ قال: إني لَسْتُ بِمجنونٍ (¬4) .
وخرَّج الإمامُ أحمد (¬5) والترمذيُّ (¬6) من حديث أبي سعيد الخُدري: أنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال في خُطْبته: ((ألا إنَّ الغَضَبَ جَمْرَةٌ في قلبِ ابنِ آدمَ، أفما رأيتُم إلى حُمرة عينيه، وانتفاخ أوداجه، فمن أحسَّ من ذلك شيئاً فليَلْزَقْ بالأرضِ)) .
¬_________
(¬1) الشورى: 37.
(¬2) آل عمران: 134.
(¬3) صحيح البخاري 18/19 (6048) و34 (6115) و150 (3282) ، وصحيح مسلم 8/30-31 (2610) (109) و (110) .
وأخرجه: أحمد 6/394، وأبو داود (4781) ، والنسائي في " الكبرى " (10224)
و (10225) من حديث سليمان بن صرد، به.
(¬4) يحتمل أنْ هذا الرجل كان من المنافقين، أو من جُفاة العرب، فهو لم يتهذب بأنوار الشريعة المكرمة، وتوهم أن الاستعاذة مختصة بالمجنون، ولم يعلم أن الغضب من نزغات الشيطان.
انظر: شرح صحيح مسلم للنووي 8/336.
(¬5) في " مسنده " 3/19 و61.
وأخرجه: معمر في "جامعه" (20720) ، والحميدي (752) ، وعبد بن حميد (864) ، وأبو يعلى (1101) ، والحاكم 4/505-506، والبيهقي في "شعب الإيمان" (8289) ، والبغوي (4039) من حديث أبي سعيد الخدري، به، وهو جزء من حديث طويل.
(¬6) في " جامعه " (2191) وقال: ((حسن)) ، وإسناد الحديث ضعيف لضعف علي بن زيد ابن جدعان.