كتاب جامع العلوم والحكم ت ماهر الفحل (اسم الجزء: 1)

وخرَّج الإمامُ أحمدُ (¬1) ، وأبو داود (¬2) من حديث أبي ذرٍّ: أنَّ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال
: ((إذا غَضِبَ أحدُكُم وهو قائِمٌ، فَلْيَجْلِسْ، فإنْ ذَهَبَ عَنه الغضبُ وإلا فليَضطجعْ)) .
وقد قيل: إنَّ المعنى في هذا أنَّ القائم متهيِّئ، للانتقام والجالس دونَه في ذلك، والمضطجع أبعدُ عنه، فأمره بالتباعد عن حالةِ الانتقام (¬3) ، ويَشْهَدُ لذلك أنَّه رُوي من حديث سِنان بنِ سعد، عن أنسٍ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، ومن حديث الحسن مرسلاً عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - (¬4) قال: ((الغَضَبُ جَمرةٌ في قَلبِ الإنسانِ تَوَقَّدُ، ألا ترى إلى حُمرةِ عَيْنَيهِ وانْتِفَاخِ أوداجِهِ، فإذا أحس أحدُكُم مِنْ ذلك شيئاً، فليَجْلِسْ، ولا يَعْدُوَنَّه الغَضَبُ)) (¬5) .
والمرادُ: أنَّه يحبسه في نفسه، ولا يُعديه إلى غيره بالأذى بالفعلِ، ولهذا المعنى قال النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - في الفتن: ((إنَّ المضطجِعَ فيها خَيْرٌ من القَاعِدِ، والقَاعِدَ فيها خيرٌ من القَائِم، والقائمَ خَيرٌ مِنَ المَاشِي، والمَاشِي خَيرٌ مِنَ السَّاعي)) (¬6) ، وإنْ كان هذا على وجه ضرب المثالِ في الإسراع في الفتن، إلا أنَّ المعنى: أنَّ من كان أقرب إلى الإسراع فيها، فهو شرٌّ ممن كان أبعد عن ذلك.
وخرَّج الإمامُ أحمد من حديث ابنِ عباس، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إذا غَضِبَ
أحَدُكُمْ، فليَسْكُتْ)) ، قالها ثلاثاً (¬7) .
وهذا أيضاً دواء عظيم للغضب؛ لأنَّ الغضبان يصدر منه في حال غضبه من القول ما يندم عليهِ في حال زوال غضبه كثيراً من السِّباب وغيره مما يعظم ضَرَرُهُ، فإذا سكت زال هذا الشرّ كله عنه،
¬_________
(¬1) في " مسنده " 5/152.
وأخرجه: الخرائطي في " مساوئ الأخلاق " (346) ، وابن حبان (5688) ، والبغوي
(3584) وقد اختلف في إسناده ورجح أبو داود إرساله.
(¬2) السنن (4782) و (4783) .
(¬3) انظر: معالم السنن 4/100-101.
(¬4) من قوله: ((ومن حديث الحسن ... )) إلى هنا سقط من (ص) .
(¬5) حديث أنس لم أعثر عليه فيما بين يدي من الكتب الحديثية.
أما رواية الحسن المرسلة فقد أخرجها: معمر في " جامعه " (20289) ، والبيهقي في
" شعب الإيمان " (8290) عن الحسن، مرسلاً.
(¬6) أخرجه: البخاري 4/241 (3601) و9/64 (7081) و (7082) ، ومسلم 8/168 - 169 (2886) (10) و (11) و (12) ، وأبو داود (4256) ، والبيهقي 8/190 من حديث أبي هريرة، به.
(¬7) في " مسنده " 1/239 و283 و365.

وأخرجه: الطيالسي (2608) ، والبخاري في " الأدب المفرد " (245) ، والبزار كما في
" كشف الأستار " (152) و (153) ، والطبراني في " الكبير " (10951) ، والقضاعي في " مسند الشهاب " (764) ، والبيهقي في " شعب الإيمان " (8287) و (8288) ، وفي إسناده ليث بن أبي سليم ضعيف.

الصفحة 406