كتاب جامع العلوم والحكم ت ماهر الفحل (اسم الجزء: 2)

وعن أبي الدرداء قال: تمامُ التقوى أنْ يتقي اللهَ العبدُ حتى يتقيه من مثقال
ذرَّةٍ، حتى يتركَ بعضَ ما يرى أنَّه حلالٌ خشيةَ أنْ يكون حراماً يكون حجاباً بينه وبينَ الحرام (¬1) ، فإنَّ الله قد بَيَّن للعباد الذي يُصيرهم إليه فقال: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ} (¬2) ، فلا تحقرن شيئاً من الخير أنْ تفعله، ولا شيئاً من الشرِّ أنْ تتقيه.
وقال الحسنُ: ما زالت التقوى بالمتقين حتَّى تركوا كثيراً من الحلال مخافة الحرام (¬3) .
وقال الثوري: إنَّما سُمُّوا متقينَ؛ لأنَّهم اتقوا ما لا يُتقى (¬4) .
وقال موسى بنُ أَعْيَن: المتقون تنزَّهوا عن أشياء من الحلال مخافة أنْ يقعوا في الحرام، فسماهم الله متقين.
وقد سبق حديثُ: ((لا يَبلغُ العبدُ أنْ يكونَ من المتقين حتَّى يدعَ ما لا بأس
به حذراً مما به بأس)) (¬5) . وحديث: ((من اتَّقى الشُّبُهاتِ استبرأ لِدينه

وعِرْضِه)) (¬6) .
وقال ميمونُ بنُ مِهران: المُتَّقي أشدُّ محاسبةً لنفسه من الشريكِ الشحيحِ لِشريكه (¬7) .
وقال ابن مسعود في قوله تعالى: {اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ} (¬8) ، قال: أنْ يُطاع فلا يُعصى، ويُذكر فلا ينسى، وأن يُشكر فلا يُكفر. وخرَّجه الحاكم مرفوعاً والموقوف أصحّ (¬9) ، وشكرُه يدخلُ فيه جميعُ فعل الطاعات.
ومعنى ذكره فلا ينسى: ذكر العبد بقلبه لأوامر الله في حركاته وسكناته وكلماته فيمتثلها، ولنواهيه في ذلك كله فيجتنبها.
¬_________
(¬1) أخرجه: نعيم بن حماد في " زياداته على الزهد " لعبد الله بن المبارك (79) ، وابن أبي الدنيا كما في " الدر المنثور " 1/58.
(¬2) الزلزلة: 7 - 8.
(¬3) أخرجه: ابن أبي الدنيا كما في " الدر المنثور " 1/58.
(¬4) أخرجه: ابن أبي الدنيا كما في " الدر المنثور " 1/58. ...
(¬5) أخرجه: عبد بن حميد (484) ، وابن ماجه (4215) ، والترمذي (2451) وقال
: ((هذا حديث حسن غريب، لا نعرفه إلا من هذا الوجه)) .
(¬6) جزء من حديث طويل. أخرجه: الحميدي (918) ، وأحمد 4/267 و269 و270 و271، والدارمي (2245) و (2534) ، والبخاري 1/20 (52) و3/9 (2051) ، ومسلم 5/50 (1599) (107) ، وابن ماجه (3984) ، والترمذي (1205) ، والنسائي 7/241 و8/327 وفي " الكبرى "، له (5219) و (6040) ، وابن
الجارود (555) ، والطحاوي في " شرح مشكل الآثار " (749) و (750)
و (751) و (752) ، وابن حبان (721) ، والطبراني في " الأوسط " (2285)

و (2493) ، والبيهقي في " شعب الإيمان " (5740) و (5741) وفي
" الآداب "، له (485) وفي " الزهد الكبير "، له (863) من طرق عن النعمان بن
بشير، به.
(¬7) أخرجه: أبو نعيم كما في " الدر المنثور " 1/57.
(¬8) آل عمران: 102.
(¬9) أخرجه: الطبراني (8501) و (8502) ، والحاكم 2/294، ولم أقف فيه على المرفوع.

الصفحة 471