كتاب جامع العلوم والحكم ت ماهر الفحل (اسم الجزء: 2)

وقد يغلِبُ استعمالُ التقوى على اجتناب المحرَّمات كما قال أبو هريرةَ وسئل عن التقوى، فقال: هل أخذتَ طريقاً ذا شوكٍ؟ قالَ: نعم، قالَ: فكيف صنعتَ؟ قال: إذا رأيت الشوكَ عدلْتُ عنه، أو جاوزته، أو قصرت عنه، قال: ذاك

التقوى (¬1) . وأخذ هذا المعنى ابنُ المعتز فقال:
خلِّ الذُّنوبَ صَغِيرَها ... وكَبِيرَها فَهْوَ التُّقَى
واصْنَعْ كماشٍ فَوْقَ أَرْ ... ضِ الشَّوْكِ يَحْذَرُ ما يَرَى
لا تَحْقِرَنَّ صغيرةً ... إنَّ الجِبَالَ مِنَ الحَصَى

وأصلُ التقوى: أنْ يعلم العبدُ ما يُتَّقى ثم يتقي، قال عونُ بنُ عبد الله: تمامُ التقوى أنْ تبتغي علمَ ما لم يُعلم منها إلى ما عُلِمَ منها (¬2) .
وذكر معروفٌ الكرخيُّ (¬3) عن بكر بن خُنيسٍ، قال: كيف يكون متقياً من لا يدري ما يَتَّقي؟ ثُمَّ قالَ معروفٌ: إذا كنتَ لا تُحسنُ تتقي أكلتَ الربا، وإذا كنتَ لا تُحسنُ تتقي لقيتكَ امرأةٌ فلم تَغُضَّ بصرك، وإذا كنت لا تُحسن تتقي وضعتَ سيفك على عاتقك، وقد قالَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - لمحمد بن مسلمة: ((إذا رأيتَ أُمَّتِي قد اختلفَتْ، فاعمد
¬_________
(¬1) أخرجه: ابن أبي الدنيا في " كتاب التقوى " كما في " الدر المنثور " 1/57.
(¬2) أخرجه: ابن أبي شيبة (34959) ، وابن أبي الدنيا كما في " الدر المنثور " 1/58.
(¬3) هو معروف بن فيروز، وقيل الفيرُزان الكرخي، أبو محفوظ البغدادي، توفي سنة (200هـ‍) ، وقيل: (204هـ‍) . انظر: سير أعلام النبلاء 9/339، وشذرات الذهب 1/360.

الصفحة 472