كتاب جامع العلوم والحكم ت ماهر الفحل (اسم الجزء: 2)
وكثرَةُ الخُطا إلى المساجد، وانتظارُ الصَّلاة بعد الصلاة)) (¬1) فأثبت لهذه الأعمال تكفيرَ الخطايا ورَفْعَ الدَّرجات، وكذلك قولُه - صلى الله عليه وسلم -: ((مَنْ قَالَ: لا إله إلا الله وحدَه لا شريكَ له، له الملك وله الحمد، يحيي ويميت، وهو على كل شيء قدير (¬2) مئة مرَّةٍ، كتبَ الله له مئة حسنةٍ، ومُحيت عنه مئة سيئة، وكانت له عَدْلَ عشر رقاب)) (¬3) ، فهذا يدلُّ على أنَّ الذكر يمحو السيئات، ويبقى ثوابُه لِعامله مضاعفاً.
وكذلك سيئاتُ التائب توبةً نصوحاً تُكفَّر عنه، وتبقى له حسناتُه، كما قال الله تعالى: {حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ أُولَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجَاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ} (¬4) .
وقال تعالى: {وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ لَهُمْ مَا يَشَاءونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ لِيُكَفِّرَ اللهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي
عَمِلُوا وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ} (¬5) ، فلمَّا وصف هؤلاء بالتَّقوى والإحسّانَ، دلَّ على أنَّهم ليسوا بمصرِّين على الذُّنوب، بل هم تائبون
منها.
وقوله: {لِيُكَفِّرَ اللهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا} يدخل فيه الكبائر؛ لأنَّها أسوأ الأعمال، وقال: {وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً} (¬6)
فرتَّب على التقوى المتضمنة لفعلِ الواجبات وتركِ المحرَّمات تكفيرَ السيئات وتعظيمَ الأجر، وأخبرَ الله عَنِ المؤمنين المتفكِّرين في خلق السماوات والأرض أنَّهم قالوا
:
{رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِي لِلإيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ
¬_________
(¬1) أخرجه: مالك (445) برواية يحيى الليثي، وعبد الرزاق (1993) ، وأحمد 2/235 و277 و301 و303 و438، ومسلم 1/150 (251) ، والترمذي (51) ، والنسائي1/89، وابن خزيمة (5) ، وابن حبان (1038) ، والبيهقي 1/82، والبغوي
(149) من طرق عن أبي هريرة، به.
(¬2) عبارة: ((له الملك وله الحمد، يحيي ويميت، وهو على كل شيء قدير)) سقطت من
(ج) .
(¬3) أخرجه: مالك (560) برواية يحيى الليثي، وأحمد 2/302 و360 و375، والبخاري 4/153 (3293) ، و8/106 (6403) ، ومسلم 8/68 (2691) (28) ، وابن ماجه (3798) ، والترمذي (3468) ، وابن حبان (849) ، والبغوي (1272) من طرق عن أبي هريرة، به.
(¬4) الأحقاف: 15-16.
(¬5) الزمر: 33-35.
(¬6) الطلاق: 5.