كتاب جامع العلوم والحكم ت ماهر الفحل (اسم الجزء: 2)

لحسنات المؤمن وبركته فيها، وهكذا حالُ مَنْ كانت له حسناتٌ وسيئاتٌ، وأرادَ الله رحمته، فضل له من حسناته ما يُدخِلُه به الجنةَ، وكُلُّه من فضل الله ورحمته، فإنَّه لا يدخل أحدٌ الجنَّةَ إلاَّ بفضل الله ورحمته (¬1) .
وخرَّج أبو نعيم بإسنادٍ ضعيفٍ عن عليٍّ مرفوعاً: ((أوحى الله إلى نبيٍّ من أنبياء بني إسرائيل: قُل لأهل طاعتي من أُمتك: لا يَتَّكلوا على أعمالهم، فإنِّي لا أُقَاصُّ عبداً الحساب يومَ القيامة أشاءُ أنْ أُعَذِّبه إلاَّ عذبتُه، وقل لأهل معصيتي من أمتك: لا يُلقوا بأيديهم، فإني أغفرُ الذَّنب العظيمَ ولا أُبالي)) (¬2) ، ومصداقُ هذا قولُ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الصحيح: ((مَنْ نُوقِشَ الحِسابَ عُذِّبَ)) ، وفي رواية
: ((هلك)) (¬3) ، والله أعلم.
المسألة الثانية: أنَّ الصغائر هل تجبُ التَّوبةُ منها كالكبائر أم لا؟ لأنَّها تقع مكفرةً باجتناب الكبائر (¬4) ، لقوله تعالى: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَرِيماً} (¬5) . هذا ممَّا اختلف الناسُ فيه.
فمنهم من أوجب التوبة منها، وهو قولُ أصحابنا وغيرهم من الفقهاء والمتكلمين وغيرهم.
وقد أمرَ الله بالتوبةِ عَقيبَ ذكر الصغائرِ والكبائرِ، فقال تعالى: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ
¬_________
(¬1) أخرجه: أحمد 2/503 و509 من حديث أبي هريرة: أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((لا يدخل أحد منكم بعمله الجنة)) قيل: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ولا أنا، إلا أن يتغمدني الله برحمة منه وفضل)) .
(¬2) أخرجه: أبو نعيم في " الحلية " 4/195، وفي إسناده عبد الأعلى بن عامر ضعفه أحمد وأبو زرعة. انظر: تهذيب الكمال 4/334-335 (3672) ، وميزان الاعتدال 2/530.
(¬3) أخرجه: عبد الله بن المبارك في " الزهد " (1318) و (1319) ، وأحمد 6/47 و91 و108 و127 و206، والبخاري 1/37 (103) و6/207-208 (4939) و8/139
(6536) و (6537) ، ومسلم 8/163 (2876) (79) و (80) ، وأبو داود
(3093) ، والترمذي (3337) ، والنسائي في " الكبرى " (11595) ، وابن حبان
(7369) و (7370) ، والطبراني في " الأوسط " (8595) ، والقضاعي في " مسند الشهاب " (338) ، والبيهقي في " شعب الإيمان " (269) ، والبغوي (4319) وفي
" التفسير "، له 5/228-229 من طرق عن عائشة رضي الله عنها، به.
(¬4) زاد بعدها في (ص) : ((منها)) .
(¬5) النساء: 31.

الصفحة 530