كتاب جامع العلوم والحكم ت ماهر الفحل (اسم الجزء: 2)

وخرَّج ابنُ أبي حاتم (¬1) وغيرهُ من رواية يزيد الرقاشي، عن أنس يرفعه: أنَّ يونس - عليه السلام - لمَّا دعا في بطن الحوت، قالت الملائكة: يا ربِّ، هذا صوتٌ معروفٌ من بلادٍ غريبة، فقال الله - عز وجل -: أما تعرفون ذلك؟ قالوا: ومَنْ هوَ؟ قال: عبدي يونس، قالوا: عبدُك يونس الذي لم يزل يُرفَعُ له عمل متقبل ودعوةٌ مستجابة؟ قال: نعم، قالوا: يا ربِّ، أفلا ترحم ما كان يصنع في الرخاء فتنجيَه من البلاء؟ قال: بلى، قال:
فأمر الله الحوتَ فطرحه بالعراء.
وقال الضحاك بن قيس: اذكروا الله في الرَّخاء، يذكركُم في الشِّدَّة، وإنَّ يونس - عليه السلام - كان يذكُرُ الله تعالى، فلمَّا وقعَ في بطن الحوت، قال الله - عز وجل -: {فَلَوْلا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} (¬2) ، وإنَّ فرعون كان طاغياً ناسياً لذكر الله، فلما أدركه الغرق، قال: آمنت، فقال الله تعالى: {آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ} (¬3) (¬4) .
وقال سلمان الفارسي: إذا كان الرجلُ دَعَّاءً في السرَّاء، فنزلت به ضرَّاءُ، فدعا الله تعالى، قالت الملائكة: صوتٌ معروف فشفعوا له، وإذا كان ليس بدَعَّاءٍ في السَّرَّاء، فنَزلت به ضرَّاءُ، فدعا الله تعالى قالت الملائكة: صوتٌ ليس بمعروف، فلا يشفعون له (¬5) .
وقال رجل لأبي الدرداء: أوصني، فقال: اذكر الله في السرَّاء يذكرك الله - عز وجل - في الضَّرَّاء (¬6) .
وعنه أنَّه قال: ادعُ الله في يوم سرَّائك لعله أنْ يستجيب لك في يوم
ضرَّائك (¬7) .
¬_________
(¬1) في " التفسير " 10/3228 (18281) .
وأخرجه: الطبري في " تفسيره " (2711) .
(¬2) الصافات: 143-144.
(¬3) يونس: 91.
(¬4) أخرجه: ابن أبي شيبة (34794) .
(¬5) أخرجه: ابن أبي عاصم في " الزهد " 1/313.
(¬6) أخرجه: أبو نعيم في " الحلية " 1/209، وابن الجوزي في " صفة الصفوة " 1/278.
(¬7) أخرجه: معمر في " جامعه " (20267) ، وأحمد في " الزهد " (718) ، وابن أبي عاصم في " الزهد " 1/135، وأبو نعيم في " الحلية " 1/225، والبيهقي في " شعب
الإيمان " (1141) .

الصفحة 564