كتاب جامع العلوم والحكم ت ماهر الفحل (اسم الجزء: 2)
وقد بايع النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - جماعةً من أصحابه على أنْ لا يسألوا النَّاسَ شيئاً، منهم: أبو بكر الصدِّيق، وأبو ذر، وثوبان، وكان أحدهم يسقط سوطُه أو خِطام ناقته، فلا يسأل أحداً أنْ يُناوله إياه (¬1) .
وخرَّج ابنُ أبي الدنيا من حديث أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود: أنَّ رجلاً جاء إلى النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله، إنَّ بني فُلان أغاروا عليّ فذهبوا بابني وإبلي، فقال له النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: ((إن آل محمَّدٍ كذا وكذا أهل بيت (¬2) ، مالهم مدٌّ من طعامٍ أو صاع، فاسأل الله - عز وجل -)) فرجع إلى امرأته، فقالت: ما قالَ لك؟ فأخبرها، فقالت: نِعْمَ ما ردَّ عليك، فما لبث أنْ ردَّ الله عليه ابنَه وإبله أوفرَ ما كانت، فأتى النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - فأخبره، فصعد المنبر فحَمِدَ الله وأثنى عليه، وأمر الناس بمسألة الله - عز وجل - والرغبة إليه، وقرأ: {وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ} (¬3) (¬4) .
وقد ثبت في "الصحيحين" (¬5) عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: أنَّ الله - عز وجل - يقولُ: ((هل من دَاعٍ، فأستجيبَ له؟ هل من سائل فأُعْطِيَه؟ هل من مُستغفرٍ فأغْفِرَ له؟)) .
¬_________
(¬1) ومن هذه الأحاديث ما خرجه مسلم 3/96 (1043) عن عوف بن مالك الأشجعي، قال: كنا عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تسعةً أو ثمانيةً أو سبعةً، فقال: ((ألا تبايعون رسول الله؟)) وكنا حديث عهد ببيعة فقلنا: قد بايعناك يا رسول الله، ثم قال: ((ألا تبايعون رسول الله؟)) فقلنا: قد بايعناك يا رسول الله، ثم قال: ((ألا تبايعون رسول الله؟)) قال: فبسطنا أيدينا، وقلنا: قد بايعناك يا رسول الله فعلام نبايعك؟ قال: ((على أنْ تعبدوا الله ولا تشركون به شيئاً، والصلوات الخمس. وتطيعوا (وأسر كلمة خفية) ، ولا تسألوا الناس شيئاً)) . فلقد رأيت بعض أولئك النفر يسقط سوط أحدهم. فما يسأل أحداً يناوله إياه.
أخرجه أيضاً: ابن زنجويه في "الأموال" (2065) ، وأحمد 6/27، وأبو داود (1642) ، وابن ماجه (2867) ، والبزار في " البحر الزخار " (2764) ، والنسائي 1/229، وابن حبان (3385) ، والطبراني في "الكبير" 17/ (67) وفي " مسند الشاميين "، له (335) و (1929) ، والبيهقي في " شعب الإيمان " (3519) .
(¬2) عبارة: ((أهل بيت)) لم ترد في (ص) .
(¬3) الطلاق: 2-3.
(¬4) أخرجه: الحاكم 1/543، والبيهقي في " دلائل النبوة " 6/106 من رواية أبي عبيدة، عن أبيه عبد الله بن مسعود ولم يسمع منه.
(¬5) صحيح البخاري 9/175 (7494) و8/88 (6321) و2/66 (1145) ، وصحيح مسلم 2/175 (758) (168) .