كتاب جامع العلوم والحكم ت ماهر الفحل (اسم الجزء: 2)
قال أبو الدرداء: إنَّ الله إذا قضى قضاءً أحبَّ أنْ يُرضى به، وقال ابن مسعود: إنَّ الله بقسطه وعدله جعلَ الرَّوحَ والفرح في اليقين والرضا، وجعل الهم والحزن في الشكِّ والسخط (¬1) ، فالرَّاضي لا يتمنّى غيرَ ما هو عليه من شدَّةٍ ورخاء، كذا رُوِيَ عَنْ عمر وابنِ مسعود وغيرهما (¬2) . وقال عمر بن عبد العزيز: أصبحت ومالي سرورٌ إلا في مواضع القضاء والقدر.
فمن وصل إلى هذه الدرجة، كان عيشُه كلُّه في نعيمٍ وسرورٍ، قال الله تعالى:
{مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً} (¬3) قال بعض السَّلف: الحياة الطيبة: هي الرضا والقناعة (¬4) . وقال عبد الواحد بن زيد: الرضا باب الله الأعظم وجنة الدنيا ومستراح العابدين (¬5) .
وأهل الرضا تارةً يلاحظون حكمة المبتلي وخيرته لعبده في البلاء، وأنَّه غير متَّهم في قضائه، وتارةً يُلاحظون ثوابَ الرِّضا بالقضاء، فيُنسيهم ألم المقتضي به، وتارةً يُلاحظون عظمةَ المبتلي وجلالَه وكمالَه، فيستغرقون في مشاهدة ذلك، حتى لا يشعرون بالألم، وهذا يصلُ إليه خواصُّ أهل المعرفة والمحبَّةِ، حتى ربَّما تلذَّذوا بما أصابهم لملاحظتهم صدوره عن حبيبهم، كما قال بعضهم: أوجدهم في عذابه عُذوبة.
¬_________
(¬1) أخرجه: الطبراني في " الكبير " (10514) ، وأبو نعيم في " الحلية " 7/130 و4/121، والقضاعي في " مسند الشهاب " (1116) ، والبيهقي في " شعب الإيمان " (208) ، مرفوعاً، وإسناده تالف لا يصح.
وأخرجه: ابن أبي الدنيا في " اليقين " (32) ، والبيهقي في " شعب الإيمان " (209) ، موقوفاً.
(¬2) أخرجه: البيهقي في " شعب الإيمان " (207) عن أبي سعيد الخدري، به. وزاد في أوله
((إن من ضعف اليقين أن ترضي الناس بسخط الله وأن تحمدهم على رزق الله)) .
(¬3) النحل: 97.
(¬4) أخرجه: الطبري في " تفسيره " (16526) عن علي، به.
وأخرجه: الطبري في " تفسيره " (16527) عن الحسن البصري، به.
وأخرجه: الحاكم 2/356 عن ابن عباس، به.
(¬5) أخرجه: أبو نعيم في " الحلية " 6/156.