كتاب جامع العلوم والحكم ت ماهر الفحل (اسم الجزء: 2)
على أنَّ النبوات المتقدِّمة جاءت بهذا الكلام، وأنَّه اشتهر بَيْنَ الناسِ حتى وصل إلى أوَّل هذه الأمة. وفي بعض الروايات قال: ((لم يدركِ الناسُ مِنْ كلام النبوَّةِ الأولى إلاَّ هذا)) . خرَّجها حميدُ بن زنجويه وغيره.
وقوله: ((إذا لم تستحي، فاصنع ما شئت)) في معناه قولان:
أحدهما: أنَّه ليس بمعنى الأمر: أنْ يصنع ما شاء، ولكنه على معنى الذمِّ والنهي عنه، وأهل هذه المقالة لهم طريقان:
أحدهما: أنَّه أمرٌ بمعنى التهديد والوعيد، والمعني: إذا لم يكن لك حياء، فاعمل ما شئت، فإنَّ الله يُجازيك عليه، كقوله: {اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} (¬1) ، وقوله: {فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ} (¬2) وقول النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -
: ((من باع الخمر، فَليُشَقِّص الخنازير)) (¬3) ،
¬_________
(¬1) فصلت: 40.
(¬2) الزمر: 15.
(¬3) أخرجه: الحميدي (760) ، وأحمد 4/253، والدارمي (2102) ، وأبو داود
(3489) ، والطبراني في " الكبير " 20/ (884) وفي " الأوسط "، له (8532) ، والبيهقي 6/12، وإسناده ضعيف لجهالة حال عمر بن بيان التغلبي.
قوله: ((فليشقص الخنازير)) معناه: فليقطع الخنازير قطعاً ويعضيها إعضاءاً كما يفعل بالشاة إذا بيع لحمها، المعنى: من استحل بيع الخمر، فلْيستحل بيع الخنازير، فإنَّهما في التحريم سواء، وهذا لفظ معناه النهي، تقديره: من باع الخمر فليكن للخنازير قصاباً. انظر: لسان العرب 7/163.