كتاب جامع العلوم والحكم ت ماهر الفحل (اسم الجزء: 2)

فهذا يُنافي الاستقامة على التوحيد.
وأما على رواية من روى: ((قُلْ: آمنْتُ بالله)) فالمعنى أظهر؛ لأنَّ الإيمانَ يدخل فيه الأعمالُ الصالحة عند السَّلف ومن تابعهم من أهلِ الحديث (¬1) ، وقال الله

- عز وجل -: {فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} (¬2) .
فأمره أنْ يستقيمَ هوَ ومن تاب معه، وأنْ لا يُجاوزوا ما أُمِروا به، وهو الطغيانُ، وأخبر أنَّه بصيرٌ بأعمالهم، مطَّلعٌ عليها، وقال تعالى: {فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ} (¬3) . قال قتادة: أُمِرَ محمد - صلى الله عليه وسلم - أنْ يستقيمَ على أمر الله. وقال الثوري: على القرآن (¬4) ، وعن الحسن، قال: لما نزلت هذه الآية شَمَّرَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -، فما رؤي ضاحكاً. خرَّجه ابن أبي حاتم (¬5) .
وذكر القُشَيْريُّ وغيره عن بعضهم: أنَّه رأى النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - في المنام، فقال له: يا رسولَ الله قلتَ: ((شَيَّبَتني هُودٌ وأخواتُها)) ، فما شيَّبك منها؟ قال: ((قوله
{فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ} )) (¬6) .
وقال - عز وجل -: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ} (¬7) .
وقد أمرَ الله تعالى بإقامةِ الدِّين عموماً كما قال: {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا
¬_________
(¬1) قال ابن تيمية - رحمه الله -: ((وأما سائر الفقهاء من أهل الرأي والآثار بالحجاز والعراق والشام ومصر، منهم: مالك بن أنس، والليث بن سعد، وسفيان الثوري، والأوزاعي، والشافعي، وأحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه، وأبو عبيد القاسم بن سلام، وداود بن علي، والطبري، ومن سلك سبيلهم، فقالوا: الإيمان قول وعمل، قول باللسان وهو الإقرار، واعتقاد بالقلب، وعمل بالجوارح، مع الإخلاص بالنية الصادقة ... )) .
انظر: الفتاوى لابن تيمية 7/206.
(¬2) هود: 112.
(¬3) الشورى: 15.
(¬4) ذكره: القرطبي في " تفسيره " 16/13.
(¬5) ذكره: السيوطي في " الدر المنثور " 3/636، ونسبه لابن أبي حاتم وأبي الشيخ.
(¬6) أخرجه: البيهقي في " شعب الإيمان " (2439) ، وهو من كلام أبي علي السري، وأصل الحديث: ((شيبتني هود وأخواتها)) تكلمت عليه بتوسع في كتابي " الجامع في العلل "، وهو من أوائل أحاديث الكتاب، يسر الله إتمامه وطبعه.
(¬7) فصلت: 6.

الصفحة 606