كتاب جامع العلوم والحكم ت ماهر الفحل (اسم الجزء: 2)

وفي "الصحيحين" (¬1)
عن أبي هريرة، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: ((سددوا وقاربوا)) .
فالسَّدادُ: هو حقيقةُ الاستقامة، وهو الإصابةُ في جميع الأقوالِ والأعمال
والمقاصد، كالذي يرمي إلى غرض، فيُصيبه، وقد أمرَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - عليَّاً أنْ يسألَ الله - عز وجل - السَّداد والهدى، وقال له: ((اذكر بالسَّدادِ تسديدَكَ السَّهْمَ، وبالهدى هدايَتك الطَّريق)) (¬2) .
والمقاربة: أنْ يُصيبَ ما قَرُبَ مِنَ الغرض إذا لم يُصِبِ الغرضَ نفسَه، ولكن بشرط أنْ يكونَ مصمِّماً على قصد السَّداد وإصابة الغرض، فتكون مقاربتُه عن غير
عمدٍ، ويدلُّ عليه قولُ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - في حديث الحكم بن حزن الكُلَفي: ((أيُّها النَّاس، إنَّكم لن تعملوا - أو لن تُطيقوا - كلَّ ما أمرتُكم، ولكن سدِّدوا وأبشروا)) (¬3) والمعني: اقصِدُوا التَّسديدَ والإصابةَ والاستقامةَ، فإنَّهم لو سدَّدُوا في العمل كلِّه، لكانوا قد فعلوا ما أُمِرُوا به كُلِّه.
فأصلُ الاستقامةِ استقامةُ القلب على التوحيد، كما فسر أبو بكر الصِّديق وغيرُه
¬_________
(¬1) صحيح البخاري 7/157 (563) و8/122 (6463) ، وصحيح مسلم 8/139

(2816) (71) .
(¬2) أخرجه: الطيالسي (161) ، والحميدي (52) ، وأحمد 1/88 و134 و138 و154، ومسلم 8/83 (2725) (78) ، وأبو داود (4225) ، والنسائي 8/177 و219-220، وابن حبان (998) من طرق عن أبي بردة، عن علي، به.
(¬3) أخرجه: أحمد 4/212، وأبو داود (1096) ، وأبو يعلى (6826) ، وابن قانع في
" معجم الصحابة " 1/207، والطبراني في " الكبير " (3165) ، والبيهقي 3/206 وفي
" دلائل النبوة "، له 5/354، وابن عساكر في " تاريخ دمشق " 25/140، والمزي في
" تهذيب الكمال " 2/240 (1409) ، وهو حديث حسن.

الصفحة 608