كتاب جامع العلوم والحكم ت ماهر الفحل (اسم الجزء: 2)

وقيل لوهب بنِ مُنبِّه: أليس لا إله إلا الله مفتاح الجنَّة؟ قال: بلى؛ ولكن ما من مفتاحٍ إلا وله أسنان، فإنْ جئتَ بمفتاحٍ له أسنانٌ فتح لك، وإلاَّ لم يفتح لك (¬1) .
ويشبه هذا ما رُوِيَ عن ابنِ عمر: أنَّه سُئِلَ عن لا إله إلا الله: هل يضرُّ معها عملٌ، كما لا ينفع مع تركها عملٌ؟ فقالَ ابن عمر: عش ولا تغتر (¬2) .
وقالت طائفةٌ - منهم: الضحاكُ والزهري -: كانَ هذا قبلَ الفرائض والحدود (¬3) ، فمِنْ هؤلاء مَنْ أَشار إلى أنَّها نُسِخَتْ، ومنهم من قالَ: بل ضُمَّ إليها شروطٌ زيدت عليها، وزيادة الشرط هل هي نسخ أم لا؟ فيه خلاف مشهور بين الأصوليين، وفي هذا كلِّه نظرٌ، فإنَّ كثيراً مِنْ هذه الأحاديث متأخر بعدَ الفرائض والحدود.
وقال الثوري: نسختها الفرائضُ والحدودُ، فيحتمل أنْ يكونَ مرادُه ما أراده هؤلاء، ويحتمل أنْ يكون مرادُه أنَّ وجوبَ الفرائض والحدود تبين بها أنَّ عقوبات الدنيا لا تسقُطُ بمجرَّدِ الشهادتين، فكذلك عقوباتُ الآخرة، ومثل هذا البيان
وإزالة الإيهام كان السَّلفُ يُسَمُّونه نسخاً، وليس هو بنسخ في الاصطلاح
المشهور.
وقالت طائفة: هذه النصوص المطلقة جاءت مقيدة بأنْ يقولها بصدقٍ وإخلاصٍ، وإخلاصُها وصدقُها يمنع الإصرارَ معها على معصية (¬4) .
وجاء من مراسيل الحسن، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: ((من قال: لا إله إلا الله مخلصاً دخل الجنَّة)) قيل: وما إخلاصها؟ قال: ((أنْ تحجُزَكَ عمَّا حرَّم الله)) (¬5) . وروي ذلك مسنداً من وجوه أخرَ ضعيفة (¬6) .
¬_________
(¬1) أخرجه: البخاري في " التاريخ الكبير " 1/98 (261) ، وأبو نعيم في " حلية الأولياء " 4/66.
(¬2) أخرجه: معمر في " جامعه " (20553) ، وعبد الله بن المبارك في " الزهد " (923) ، وابن الجعد في " مسنده " (3381) ، وأبو نعيم في " حلية الأولياء " 1/311.
(¬3) انظر في ذلك: الزهد لعبد الله بن المبارك (921) ، وشرح صحيح مسلم للنووي 1/200.
(¬4) انظر: شرح صحيح مسلم 1/200 و201.
(¬5) لم نقف عليه في مظانه. وذكره الحكيم الترمذي في " نوادر الأصول " 3/16، والقرطبي في " تفسيره " 10/60.
وقد روي هذا الحديث عن زيد بن أرقم مرفوعاً مسنداً.
أخرجه: الطبراني في " الكبير " (5074) ، وأبو نعيم في " حلية الأولياء " 9/254.
(¬6) في إسناده الهيثم بن جماز. سئل عنه أحمد بن حنبل فقال: ((كان منكر الحديث ترك
حديثه)) ، وعن يحيى بن معين قال: ((كان قاصاً بالبصرة ضعيف)) ، وعن أبي حاتم الرازي قال: ((ضعيف الحديث منكر الحديث)) ، وعن أبي زرعة قال: ((ضعيف)) .

انظر: الجرح والتعديل 9/102 (330) .
وأخرجه: الطبراني في " الأوسط " (1257) ، وفي إسناده محمد بن عبد الرحمان بن غزوان. قال عنه الهيثمي في " مجمع الزوائد " 1/18: ((وضاع)) .

الصفحة 624