كتاب جامع العلوم والحكم ت ماهر الفحل (اسم الجزء: 1)

وقد يُعَبَّرُ عنها في القرآن بلفظ ((الابتغاء)) ، كما في قوله تعالى: {إِلاَّ ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الأَعْلَى} (¬1) ، وقوله: {وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ
الله} (¬2) ، وقوله: {وَمَا تُنْفِقُونَ إِلاَّ ابْتِغَاءَ وَجْهِ الله} (¬3) ، وقوله: {لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً} (¬4) .
فنفى الخيرَ عَنْ كثيرٍ ممّا يتناجى الناسُ به إلاَّ في الأمرِ بالمعروف، وخصَّ من أفراده الصَّدقةَ، والإصلاحَ بينَ النَّاس؛ لعموم نفعهما، فدلَّ ذلك على أنّ التَّناجي بذلك خيرٌ، وأمّا الثوابُ عليهِ مِنَ اللهِ فخصّه بِمَنْ فعله ابتغاءَ مرضات الله.
وإنَّما جَعَل الأمرَ بالمعروفِ مِنَ الصَّدقة، والإصلاح بينَ النَّاس وغيرهما خيراً، وإنْ لم يُبْتَغَ به وجهُ اللهِ، لما يترتَّبُ على ذلك مِنَ النَّفْعِ المُتعدِّي، فَيَحْصُلُ به للنَّاسِ إحسانٌ وخيرٌ، وأمّا بالنِّسبة إلى الأمر، فإنْ قَصَدَ به وجهَ اللهِ وابتغاءَ مَرضاته كان خيراً له، وأُثيبَ عليه، وإنْ لم يقصدْ ذلك لم يكن خيراً له، ولا ثوابَ له عليه، وهذا بخلاف من صام وصلى وذكر الله، يقصِدُ بذلك عَرَضَ الدُّنيا، فإنّه لا خيرَ له فيه بالكُلِّيّة؛ لأنَّه لا نفع في ذلك لصاحبه، لما يترتّب عليه من الإثم فيه، ولا لغيره؛ لأنَّه لا يتعدَّى نفعُه إلى أحدٍ، اللَّهُمَّ إلاّ أنْ يحصُلَ لأحدٍ به اقتداءٌ في ذلك.
¬_________
(¬1) الليل:20.
(¬2) البقرة: 265.
(¬3) البقرة: 272.
(¬4) النساء: 114.

الصفحة 65