كتاب جامع العلوم والحكم ت ماهر الفحل (اسم الجزء: 1)

وفعلِكم ما
عندَ اللهِ (¬1) ، فإنَّه يبقَى ويذهبُ ما سواهُ (¬2) .
وقد ورد الوعيدُ على العمل لغيرِ اللهِ عموماً، كما خرَّج الإمامُ أحمدُ (¬3) من حديثِ أبيّ بن كعبٍ - رضي الله عنه -، عنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قال: ((بَشِّرْ هذه الأمَّةَ بالسَّناء والرِّفْعَة والدِّين والتمكينِ (¬4) في الأرض، فمن عَمِلَ منهُم عملَ الآخرةِ للدُّنيا، لم يكنْ له في
الآخرةِ (¬5) نصيبٌ)) .
واعلم أنَّ العمل لغيرِ الله أقسامٌ: فتارةً يكونُ رياءً محضاً، بحيثُ لا يُرادُ به سوى مراآت المخلوقين لغرضٍ دُنيويٍّ، كحالِ المنافِقين في صلاتهم، كما قال الله - عز وجل -: {وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاؤُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللهَ إلاَّ قَلِيلاً} (¬6) .
وقال تعالى: {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ الَّذِينَ هُمْ يُرَاؤُونَ} الآية (¬7) .
وكذلك وصف الله تعالى الكفار بالرِّياء في قوله: {وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بَطَراً وَرِئَاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ الله} (¬8) .
وهذا الرِّياءُ المحضُ لا يكاد يصدُرُ من مُؤمنٍ في فرض الصَّلاةِ والصِّيامِ، وقد يصدُرُ في الصَّدقةِ الواجبةِ أو الحجِّ، وغيرهما من الأعمال الظاهرةِ، أو التي
¬_________
(¬1) في (ص) : ((وجه الله)) .
(¬2) ذكره ابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله 1/176.
(¬3) في مسنده 5/134.
وأخرجه: عبد الله بن أحمد في " زياداته " 5/134، وابن حبان (405) ، والحاكم 4/311 و318، والبيهقي في " شعب الإيمان " (6833) و (6834) و (10335) وفي " دلائل النبوة "، له 6/317-318، والبغوي (4144) و (4145) . وهو حديث قويٌّ.
(¬4) في (ص) : ((والتمكين والدين)) .
(¬5) زاد بعدها في (ص) : ((من)) .
(¬6) النساء: 142.
(¬7) الماعون: 4-6.
(¬8) الأنفال: 47.

الصفحة 79