كتاب جامع العلوم والحكم ت ماهر الفحل (اسم الجزء: 2)
أسألَكَ عن كلمةٍ (¬1) قد أمرضَتنِي وأسقمتني وأحزنتني، قال: ((سل عمَّا شئتَ)) ، قال: أخبرني بعملٍ يدخلُنِي الجنَّة لا أسألكَ غيرَه، وهذا يدلُّ على شدَّةِ اهتمامِ معاذٍ - رضي الله عنه - بالأعمال الصَّالحة، وفيه دليلٌ على أنَّ الأعمالَ سببٌ لدخول الجنَّة، كما قال تعالى: {وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} (¬2) .
وأما قولُه - صلى الله عليه وسلم -: ((لَنْ يدخُلَ أحدٌ منكُمُ الجنَّة بِعمَلِه)) (¬3) فالمراد - والله أعلم - أنَّ العملَ بنفسه لا يستحقُّ به أحدٌ الجنَّة لولا أنَّ الله جعله - بفضله ورحمته - سبباً لذلك، والعملُ نفسُه من رحمة الله وفضله على عبده، فالجنَّةُ وأسبابُها كلٌّ من فضل الله ورحمته.
وقوله: ((لقد سألتَ عن عظيم)) قد سبق في شرح الحديث المشار إليه أنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال لِرجل سأله عن مثل هذا: ((لئن كُنتَ أوجزت المسألة، لقد أعظمتَ
وأطولتَ)) (¬4) ، وذلك لأنَّ دخولَ الجنَّة والنَّجاةَ من النار أمرٌ عظيم جداً، ولأجله أنزل الله الكتب، وأرسلَ الرُّسلَ، وقال النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - لرجلٍ: ((كيف تقولُ إذا
صلَّيتَ؟)) قال: أسألُ الله الجنَّة، وأعوذُ به من النار، ولا أُحسِنُ دندنَتَك (¬5) ولا دندَنَة مُعاذ، يشير إلى كثرة دعائهما واجتهادهما في المسألة، فقال النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -:
((حَوْلَها نُدَندِن)) .
¬_________
(¬1) في (ص) : ((مسألة)) .
(¬2) الزخرف: 72.
(¬3) أخرجه: عبد الله بن المبارك في " الزهد " (1445) ، والطيالسي (2322) ، وابن الجعد (2772) ، وأحمد 2/235 و326 و390 و451 و473 و509 و514 و524، والبخاري 8/128 (6463) وفي " الأدب المفرد "، له (461) ، ومسلم 8/138
(2816) (71) ، وابن ماجه (4201) ، وأبو يعلى (1243) ، وابن حبان (348) و (660) ، والطبراني في " الأوسط " (8004) ، والقضاعي في " مسند الشهاب "
(626) ، والبيهقي 3/18 وفي " الشعب "، له (766) و (10149) من طرق عن أبي هريرة، به.
(¬4) أخرجه: الطبراني في " الكبير " (7284) ، وقد تقدم.
(¬5) الدندنة الكلام الذي لا يفهم. انظر: مختصر المختصر لابن خزيمة عقيب حديث (725) .