كتاب جامع العلوم والحكم ت ماهر الفحل (اسم الجزء: 2)

فأما الفرائض، فما فرضه الله على عباده وألزمهم القيام به، كالصلاة والزكاة والصيام والحجِّ.
وقد اختلفَ العلماء: هل الواجبُ والفرضُ بمعنى واحد أم لا؟ فمنهم من
قال: هما سواء، وكلُّ واجب بدليلٍ شرعي من كتابٍ، أو سنةٍ، أو إجماعٍ، أو غير ذلك من أدلة الشرع، فهو فرضٌ، وهو المشهور عن أصحاب الشَّافعي
وغيرهم (¬1) ، وحُكي رواية عن أحمد؛ لأنَّه قال: كلُّ ما في الصلاة فهو فرضٌ.
ومنهم من قال: بل الفرضُ ما ثبتَ بدليلٍ مقطوعٍ به (¬2) ، والواجبُ ما ثبت بغير مقطوع به، وهو قولُ الحنفيَّةِ وغيرهم (¬3) .
وأكثرُ النُّصوص عن أحمد تُفرِّق بين الفرض والواجب (¬4) ، فنقل جماعةٌ
مِنْ أصحابه عنه أنَّه قال: لا يُسمَّى فرضاً إلا ما كان في كتاب الله تعالى، وقال
في صدقة الفطر: ما أجترئ أنْ أقول: إنَّها فرضٌ (¬5) ، مع أنَّه يقول بوجوبها،
فمِنْ أصحابنا مَنْ قال: مراده أنَّ الفرض: ما ثبت بالكتاب، والواجب: ما
ثبت بالسنَّة، ومنهم من قال: أراد أنَّ الفرض: ما ثبت بالاستفاضة والنَّقل
المتواتر، والواجب: ما ثبت مِنْ جهة الاجتهاد، وساغ الخلافُ في
وجوبه (¬6) .
ويُشْكِلُ على هذا أنَّ أحمد قال في رواية الميموني في برِّ الوالدين: ليس بفرضٍ، ولكن أقولُ: واجبٌ ما لم يكن معصية، وبرُّ الوالدين مجمَعٌ على وجوبه، وقد كثُرتِ الأوامرُ به في الكتاب والسُّنَّة، فظاهرُ هذا أنَّه لا يقول: فرضاً إلاَّ ما ورد في الكتاب والسُّنة تسميته فرضاً.
¬_________
(¬1) انظر: اللمع: 65، والمستصفى 1/66، وروضة الناظر 1/103، والإحكام -للآمدي 1/99، وتحفة المسؤول 2/23، وشرح الكوكب المنير 1/351 - 352.
(¬2) انظر: اللمع: 65، والمستصفى 1/66، وميزان الأصول: 28، والمحصول 1/97، والإحكام - للآمدي 1/99، وتحفة المسؤول 2/24، والبحر المحيط 1/144، وإرشاد الفحول: 60.
(¬3) انظر: اللمع: 65، والمستصفى 1/66، وميزان الأصول: 28، والإحكام - للآمدي 1/99، وتحفة المسؤول 2/23 - 24، والبحر المحيط 1/145 - 146، وإرشاد الفحول: 60.
(¬4) انظر: شرح الكوكب المنير 1/352.
(¬5) انظر: المغني 2/647، والواضح في شرح مختصر الخرقي 2/85.
(¬6) انظر: اللمع: 65.

الصفحة 820