كتاب جامع العلوم والحكم ت ماهر الفحل (اسم الجزء: 1)

ما قد (¬1) علمتَ (¬2) .
فصل
وأمَّا النِّيَّةُ بالمعنى الذي يذكره الفُقهاءُ، وهو أنَّ تمييزَ العباداتِ من العاداتِ، وتمييز العباداتِ بعضها مِنْ بعضٍ، فإنَّ الإمساكَ عنِ الأكلِ والشُّربِ يقعُ تارةً حميةً، وتارةً لعدمِ القُدرةِ على الأكل (¬3) ، وتارةً تركاً للشَّهواتِ للهِ - عز وجل -، فيحتاجُ في الصِّيامِ إلى نيَّةٍ ليتميَّزَ بذلك عَنْ تركِ الطَّعامِ على غير هذا الوجه.
وكذلك العباداتُ، كالصَّلاةِ والصِّيامِ، منها فرضٌ، ومنها نفلٌ.
والفرضُ يتنوَّعُ أنواعاً، فإنَّ الصَّلواتِ المفروضاتِ خمسُ صلواتِ كلَّ يومٍ وليلةٍ، والصَّومُ الواجبُ تارةً يكونُ صيامَ رمضان، وتارةً (¬4) صيامَ كفارةٍ، أو عن نذرٍ، ولا يتميَّزُ هذا كلُّه إلاَّ بالنِّيَّةِ، وكذلك الصدقةُ، تكونُ نفلاً، وتكونُ فرضاً، والفرضُ منه زكاةٌ، ومنه كفَّارةٌ، ولا يتميَّزُ ذلكَ إلاَّ بالنِّيَّةِ، فيدخلُ ذلك في عمومِ قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((وإنَّما لكل امرىءٍ (¬5) ما نَوى)) .
وفي بعضِ ذلك اختلافٌ مشهورٌ بينَ العُلماءِ، فإنَّ منهم مَنْ لا يُوجِبُ تعيينَ
النِّيَّةِ للصَّلاةِ المفروضةِ، بل يكفي عندَه أنْ ينويَ فرضَ الوقتِ، وإنْ لم يستحضِرْ
تسميتَه في الحال، وهي روايةٌ عن الإمامِ (¬6) أحمدَ (¬7) .
¬_________
(¬1) في (ص) : ((مما)) بإسقاط: ((قد)) .
(¬2) أخرجه: أبو نعيم في " الحلية " 2/207.
(¬3) عبارة: ((وتارة لعدم القدرة على الأكل)) لم ترد في (ص) .
(¬4) زاد بعدها في (ص) : ((يكون)) .
(¬5) في (ج) : ((لامريءٍ)) .
(¬6) لم ترد في (ص) .
(¬7) قال ابن قدامة الحنبلي في " المغني " 1/544-545: ((لا نعلم خلافاً بين الأئمة في وجوب النية للصلاة، فإن كانت الصلاة مكتوبة لزمته نية الصلاة بعينها ظهراً أو عصراً أو غيرهما فيحتاج إلى نية شيئين: الفعل والتعيين. =
= ... واختلف أصحابنا في نية الفريضة، فقال بعضهم: لا يحتاج إليها؛ لأنَّ التعيين يغني عنها لكون الظهر مثلاً لا يكون إلا فرضاً من المكلف، وقال ابن حامد: لا بُدَّ من نية الفريضة؛ لأنَّ المعينة قد تكون نفلاً كظهر الصبي والمعادة فيفتقر إلى ثلاثة أشياء الفعل والتعيين والفريضة ويحتمل هذا كلام الخرقي لقوله: ينوي بها المكتوبة. وقال القاضي: ظاهر كلام الخرقي أنَّه لا يفتقر إلى التعيين؛ لأنَّه إذا نوى المفروضة انصرفت النية إلى الحاضرة، والصحيح أنَّه لا بد من التعيين، بدليل: أنَّه لم يغن عن نية المكتوبة وقد يكره عليه صلوات فلا تعيين إحداهن بدون التعيين)) .
انظر: الواضح في شرح مختصر الخرقي 1/211-212، والمبدع 1/358.

الصفحة 86