كتاب جامع العلوم والحكم ت ماهر الفحل (اسم الجزء: 1)

((أحَجَجْت عن نَفسك؟)) قالَ: لا، قالَ: ((هذه عَنْ نفسِك، ثمَّ حُجَّ عن الرَّجُلِ)) .
وقد تُكُلِّم في صحَّةِ هذا الحديث، ولكنَّه صحيحٌ عن ابنِ عباسٍ وغيره (¬1) .
وأخذ بذلك الشَّافعيُّ (¬2) وأحمدُ (¬3) في المشهور عنه وغيرُهما، في أنَّ حَجَّة الإسلامِ تسقُطُ بنيَّةِ الحجِّ مطلقاً، سواءً نوى التَّطوُّعَ أو غيرَه، ولا يُشتَرطُ للحجِّ تعيينُ النِّيَّةِ، فمنْ حجَّ عن غيرِه، ولم يحجَّ عن نفسِهِ، وقع عنْ نفسه، وكذا لو حجَّ عنْ نذرهِ، أو نفلاً، ولم يكن حجَّ حجَّةَ الإسلام، فإنه ينقلِبُ عنها، وقد ثبتَ عنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - أنَّه أمرَ أصحابَهُ في حجَّةِ الوداعِ بعدَ ما دخلُوا معه، وطافوا، وسعَوا أنْ يَفسَخُوا حجَّهم، ويجعلوها عمرةً، وكانَ منهم القارنُ والمفرِدُ (¬4) ،
وإنَّما كانَ طوافُهم عندَ قُدومهم طوافَ القُدومِ وليسَ بفرضٍ، وقد أمرهم أنْ يجعلُوه طوافَ عمرةٍ (¬5) وهو فرضٌ، وقد أخذَ بذلكَ الإمامُ أحمدُ في فسخِ الحجِّ (¬6) ، وعملَ به، وهو مشكلٌ على أصلهِ، فإنَّه يُوجِبُ تعيينَ الطَّوافِ الواجب للحجِّ والعمرة بالنيَّةِ، وخالفَهُ في ذلك أكثرُ الفُقهاءِ، كمالكٍ والشَّافعيِّ وأبي حنيفةَ (¬7) .
وقد يفرِّقُ الإمامُ أحمدُ بينَ أنْ يكونَ طوافُهُ في إحرامٍ انقلبَ، كالإحرامِ
الذي يفسخُه، ويجعلهُ عمرةً، فينقلبُ الطَّوافُ فيه تبعاً لانقلابِ الإحرامِ، كما
ينقلبُ الطَّوافُ في الإحرامِ الذي نوى به التَّطوُّعَ إذا كان عليه حَجَّةُ الإسلام، تبعاً لانقلابِ إحرامِهِ مِنْ أصلهِ، ووقوعِه عن فَرضِه، بخلاف ما إذا طافَ للزيارةِ بنيَّةِ
الوَداعِ، أو التَّطوُّعِ (¬8) ، فإنّ هذا لا يُجزئه لأنّه (¬9) لم ينوِ به الفَرضَ، ولم ينقلبْ فرضاً تبعاً لانقلابِ إحرامهِ، والله أعلمُ (¬10) .
¬_________
(¬1) أخرجه: ابن أبي شيبة (13368) ، وأبو داود (1811) ، وابن ماجه (2903) ، وأبو يعلى (2440) ، وابن الجارود (499) ، وابن خزيمة (3039) ، والطحاوي في " شرح المشكل " (2547) و (2549) ، وابن حبان (3988) ، والطبراني في " الكبير "
(12419) وفي " الصغير "، له (630) ، والدارقطني 2/267-270، والبيهقي 4/336-337 من طرق عن ابن عباس، به مرفوعاً.

وأخرجه: الشافعي في " مسنده " (925) و (926) بتحقيقي، وابن أبي شيبة (13370) ، والدارقطني 2/271، والبيهقي 4/337 و5/179-180، والبغوي (1856) من طرق عن ابن عباس، به موقوفاً.
وللحافظ ابن حجر كلام موسع في صحة هذا الحديث أورده في "التلخيص الحبير" 2/488-489.
(¬2) انظر: الأم 3/306، والمجموع 7/67.
(¬3) انظر: المسائل الفقهية من كتاب الروايتين والوجهين 1/273، والمغني 3/185.
(¬4) روي عن جابر بن عبد الله - رضي الله عنهم -، قال: أهَلَّ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - هو وأصحابه بالحج، وليس مع أحد منهم هديٌ غير النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - وطلحة، وقدم عليٌ من اليمن ومعه هديٌ، فقال: أهللت بما أهل به النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -، فأمر النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - أصحابه أنْ يجعلوها عمرة ويطوفوا، ثم يقصروا ويحلوا إلا من كان معه الهدي، فقالوا: ننطلق إلى منى وذكر أحدنا يقطر فبلغ النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: ((لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما أهديت ولولا أنَّ معي الهدي لأحللت ... )) .
أخرجه: الحميدي (1293) ، وأحمد 3/302 و305 و317 و362 و366، والبخاري 2/176 (1568) و2/195 (1651) و3/4 (1785) و3/185 (2505)
و (2506) و9/103 (7230) و9/137 (7367) ، ومسلم 4/36 (1216)
(141) و4/37 (1216) (142) و (143) و4/38 (1216) (144) ، وأبو داود (1787) و (1788) و (1789) ، والنسائي 5/178 و202 و248 وفي

" الكبرى "، له (3787) و (3855) و (3985) و (4171) ، وابن خزيمة (957) و (2785) و (2786) من طرق عن جابر، به.
وروي أيضاً عن ابن عباس - رضي الله عنهم - قال: كانوا يرون أنَّ العمرة في أشهر الحج من أفجر الفجور في الأرض ويجعلون المحرم صفراً، ويقولون: إذا برا الدبر وعفا الأثر، وانسلخ صفر حلت العمرة لمن اعتمر، قدم النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه صبيحة رابعة مهلين بالحج فأمرهم أن يجعلوها عمرة فتعاظم ذلك عندهم، فقالوا: يا رسول الله أي الحِل؟ قال: ((حلٌ كله)) . =
= ... أخرجه: أحمد 1/252 و370، والبخاري 2/54 (1085) و2/175 (1564) و3/185 (2505) و (2506) و5/51 (3832) ، ومسلم 4/56 (1240) (198) و (199) و4/57 (1240) (201) ، والنسائي 5/180 و201 وفي " الكبرى "، له
(3795) و (3853) و (3854) من طرق عن ابن عباس، به.
(¬5) من قوله: ((وكان منهم القارن والمفرد ... )) إلى هنا لم يرد في (ص) .
(¬6) عبارة: ((في فسخ الحج)) لم يرد في (ص) .
(¬7) انظر: المدونة الكبرى 2/467، والمغني 3/202، والمجموع 7/92-93، والمبسوط 4/25، وإرشاد الساري: 284.
(¬8) ((أو التطوع)) لم ترد في (ص) .
(¬9) سقطت من (ص) .
(¬10) انظر: المغنى 3/202-203.

الصفحة 88