كتاب جامع العلوم والحكم ت ماهر الفحل (اسم الجزء: 2)

وأما المقصود الثاني، فحاصلٌ لأهل الجنَّة على أكمل الوُجُوهِ وأتمِّها، ولا نسبةَ لما حصل لقلوبهم في الدُّنيا من لطائف القُرْبِ والأنس والاتِّصال إلى ما يُشاهدونه في الآخرة عياناً، فتتنعَّمُ قلوبُهم وأبصارُهم وأسماعُهم بقرْبِ الله ورؤيته، وسماع كلامه، ولاسيما في أوقات الصَّلوات في الدُّنيا، كالجُمَع والأعياد، والمقرَّبون منهم يحصلُ ذلك لهم كلَّ يومٍ مرَّتين بكرةً وعشياً في وقت صلاة الصُّبح وصلاة العصر، ولهذا لمَّا ذكرَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - أنَّ أهل الجنَّةِ يرونَ ربَّهم (¬1) حضَّ عقيب ذلك على المحافظة على صلاةِ العصر وصلاة الفجر؛ لأنَّ وقت هاتين الصَّلاتين وقتٌ لرؤية خواصِّ أهلِ الجنَّةِ ربَّهم وزيارتهم لهُ، وكذلك نعيمُ الذِّكر وتلاوةُ القرآن لا ينقطعُ عنهم أبداً، فيُلهمون التَّسبيحَ كما يُلهمونَ النَّفسَ. قالَ ابنُ عيينة: لا إله إلا الله لأهلِ الجنَّة، كالماء البارد لأهل الدُّنيا، فأينَّ لذَّة الذِّكرِ للعارفين في الدُّنيا مِنْ لذَّتهم به في الجنَّة.
فتبيَّن بهذا أن قوله: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا} (¬2) على ظاهره، فإنَّ ثواب كلمة التَّوحيد في الدُّنيا أنْ يصِلَ صاحبها إلى قولها في الجَنَّةِ على الوجه الذي يختصُّ به أهل الجنّةِ.
¬_________
(¬1) أخرجه: الحميدي (1178) ، وأحمد 2/389، والبخاري 9/156 (7437) ، ومسلم 1/112 (182) (299) و1/114 (182) (300) ، وأبو داود (4730) ، وابن ماجه (178) ، والترمذي (2554) من حديث أبي هريرة، ونص الحديث: ((قال
رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((تُضامون في رؤية القمر ليلة البدر، وتُضامون في رؤية الشمس؟)) قالوا: لا، قال: ((فإنَّكم سترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر لا تُضامون في رؤيته)) .
والروايات مطولة ومختصرة.
(¬2) النمل: 89.

الصفحة 887