كتاب جامع العلوم والحكم ت ماهر الفحل (اسم الجزء: 1)

للصَّلاةِ هل هي عبادةٌ مستقلةٌ، أم هي شرطٌ من شروطِ الصَّلاةِ، كإزالةِ
النَّجاسةِ، وسَترِ العورةِ؟ فمن لم يشترط لها النِّيَّةَ، جعلها كسائرِ شُروطِ الصَّلاةِ،
ومَنِ اشترطَ لها النِّيَّةَ، جعلها عبادةً مُستقلَّةً، فإذا كانت عبادةً في نفسها، لم تصحَّ
بدونِ نيّةٍ، وهذا قولُ جمهور العلماءِ (¬1) ،
ويدلُّ على صحَّةِ ذلك تكاثرُ النُّصوصِ الصَّحيحةِ عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: بأنَّ الوُضوءَ يكفِّر الذُّنوبَ والخطايا، وأنَّ (¬2) مَنْ توضَّأ كما أُمِرَ، كان كفَّارةً لذُنوبه (¬3) .
وهذا يدلُّ على أنَّ الوُضوءَ المأمورَ به في القرآنِ عبادةٌ مستقلَّةٌ (¬4) بنفسها، حيث رتَّب عليه تكفيرَ الذنوبِ، والوضوءُ الخالي عن النِّيَّةِ لا يُكفِّرُ شيئاً من الذُّنوبِ
بالاتِّفاقِ (¬5) ، فلا يكونُ مأموراً به، ولا تصحُّ به الصَّلاةُ، ولهذا لم يَرِد في شيءٍ من
بقيَّةِ شرائطِ الصلاةِ، كإزالةِ النَّجاسةِ، وسترِ العورةِ ما ورد في الوُضوءِ مِنَ الثَّوابِ (¬6) ، ولو شَرَكَ بينَ نيَّةِ الوُضوءِ، وبينَ قصدِ التَّبرُّد، أو إزالةِ النَّجاسةِ، أو الوسخِ، أجزأه في المنصوصِ عن الشَّافعيِّ (¬7) ، وهذا (¬8) قولُ أكثرِ أصحابِ أحمدَ (¬9) ؛ لأنَّ هذا القصدَ (¬10) ليسَ بمحرَّمٍ، ولا مَكروهٍ، ولهذا لو قصدَ مع رفعِ الحدثِ تعليمَ الوضوءِ، لم يضرَّهُ ذلك. وقد كان النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يقصِدُ أحياناً (¬11) بالصلاةِ تعليمَها للنَّاس، وكذلك الحجُّ، كما قال:
¬_________
(¬1) الفقهاء في هذه المسألة على مذهبين:
المذهب الأول: النية سنة في الوضوء، وممن قال بذلك أبو حنيفة وأصحابه.
المذهب الثاني: النية فرض، وبذلك قال جمهور العلماء، وهو مذهب مالك والشافعي وأحمد والظاهرية والزيدية والإمامية، وهو الصواب.

انظر: الحاوي الكبير 1/87، واللباب في شرح الكتاب 1/10، والمغني 1/122-123، والمجموع 1/170، وإعلام الموقعين 2/216، ومنتهى الإرادات 1/18، والسيل الجرار 1/75 و80، ومفتاح الكرامة 1/203، ومسائل من الفقه المقارن 1/66.
(¬2) سقطت من (ص) .
(¬3) من ذلك ما جاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: أن عثمان بن عفان دعا بإناءٍ فأفرغ على كفيه ثلاث مِرارٍ، فغسلهما، ثم أدخل يمينه في الإناء فمضمض واستنشق، ثم غسل وجهه ثلاثاً ويديه إلى المرفقين ثلاث مرارٍ ثم مسح برأسه، ثم غسل رجليه ثلاث مرارٍ إلى الكعبين، ثم قال: قال رسول الله: ((من توضأ نحو وضوئي هذا، ثم صلى ركعتين لا يُحدّثُ فيهما نفسه غُفِرَ له ما تقدم من
ذنبه)) .
أخرجه: مالك في " الموطأ " (65) برواية يحيى الليثي، وعبد الرزاق (141) ، والحميدي (35) ، وأحمد 1/57 و59 و60 و61 و64 و67 و68 و71، والدارمي (699) ، والبخاري 1/51 (159) و1/52 (164) و3/40 (1934) ، و8/114 (6433) ، ومسلم 1/141 (226) (3) و1/142 (228) (7) و1/143 (231) (10) و1/149 (245) (33) ، وأبو داود (106) (107) و (109) ، وابن ماجه
(285) و (459) ، وعبد الله بن أحمد في " زياداته " 1/74، والنسائي 1/64 و65 و80 و91 و111 وفي " الكبرى "، له (91) و (103) و (171) و (172) و (840) ، وابن خزيمة (2) و (3) و (158) ، وابن حبان (1041) ، والبيهقي 1/225، والبغوي
(152) و (153) من حديث عثمان بن عفان، به.
(¬4) سقطت من (ص) .
(¬5) انظر: الأم 2/62-63، والواضح في شرح مختصر الخرقي 1/39.
(¬6) انظر: الواضح في شرح مختصر الخرقي 1/39، ونيل المآرب 1/50.
(¬7) انظر: الحاوي الكبير 1/96، والوسيط 1/78، والمجموع 1/177.
(¬8) سقطت من (ص) .
(¬9) انظر: المغني 1/123.
(¬10) في (ص) : ((الفعل)) .
(¬11) سقطت من (ص) .

الصفحة 90