كتاب جامع العلوم والحكم ت ماهر الفحل (اسم الجزء: 1)

((خذوا عنِّي مناسِكَكُم (¬1)) ) .
وممَّا تدخُلُ النيةُ فيه مِنْ أبوابِ العلمِ: مسائلُ الأيمان.
فلغوُ اليمينِ لا كفَّارةَ فيه، وهو ماجرى على اللِّسان من غيرِ قصدٍ بالقلبِ إليه، كقوله: لا والله، وبلى والله في أثناءِ الكلامِ (¬2) ،
قال تعالى: {لا يُؤَاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ} (¬3) .
وكذلك يُرجَعُ في الأيمان إلى نيَّةِ الحالِف وما قصدَ بيمينه، فإنْ حَلَفَ بطلاقٍ، أو عَتاقٍ، ثم ادَّعى أنَّه نوى ما يُخالِفُ ظاهرَ لفظه، فإنَّه يُدَيَّنُ فيما بينه وبينَ الله - عز وجل - (¬4) .
وهل يُقبل منه في ظاهرِ الحُكم؟ فيهِ قولانِ للعُلماءِ (¬5) مشهوران، وهما روايتانِ عَنْ أحمَدَ (¬6) ، وقد رُوي عَنْ عمرَ أنّه رُفعَ إليه رجلٌ قالتْ لهُ امرأته: شبِّهني، قالَ: كأنَّكِ ظبيةٌ، كأنَّك حمامةٌ، فقالت (¬7) : لا أرضى حتّى تقولَ: أنت خلِيَّةٌ (¬8) طالِقٌ، فقالَ ذَلِكَ، فقالَ عمر: خذ بيدها فهي امرأتُك. خرَّجه أبو عبيد (¬9) ،
وقال: أراد النَّاقَةَ تكون معقولةً، ثُمَّ تُطْلَقُ من عِقالها ويُخلَّى عنها، فهي خَليَّةٌ مِنَ العِقالِ، وهي طالقٌ؛ لأنَّها قد طَلَقَت منه، فأراد الرَّجُلُ ذلك، فأسقطَ عنه عمرُ الطَّلاق لنيَّته. قال: وهذا أصلٌ لكلِّ (¬10) مَنْ تكلَّم بشيءٍ يُشبه لفظَ الطَّلاق (¬11) والعَتاق،
وهو ينوي غيرَه أنَّ القولَ فيه قولُه فيما بينَه وبينَ الله، في الحُكمِ على تأويلِ مذهب (¬12) عمر - رضي الله عنه -.
¬_________
(¬1) أخرجه: أحمد 3/301 و318 و332 و337 و367 و378، والدارمي (1899) ، ومسلم 4/79 (1297) (310) ، وأبو داود (1970) ، والنسائي 5/270 وفي
" الكبرى "، له (4068) ، وابن خزيمة (2877) ، والبيهقي 5/116 و130، والبغوي (1946) من حديث جابر بن عبد الله، به.
(¬2) انظر: الأم 8/54-55، واللباب في شرح الكتاب 4/4، وبداية المجتهد 1/500-501.
وقد وردت أحاديث في اللغو في اليمين، روي عن إبراهيم الصائغ قال: سألت عطاء عن اللغو في اليمين، فقال: قالت عائشة: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((هو كلام الرجل في بيته، كلا والله وبلى والله)) .
أخرجه: عبد الرزاق (15951) ، وأبو داود (3254) ، والطبري في " تفسيره "

(3501) ، وابن أبي حاتم في " تفسيره " (2155) ، وابن حبان (4333) ، والبيهقي 10/49.
وروى موقوفاً عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: لغو اليمين قول الإنسانِ: لا والله وبلى والله.
أخرجه: مالك في " الموطأ " (1366) برواية الليثي، والشافعي في " مسنده " (1723) و (1724) بتحقيقي، وعبد الرزاق (15952) وفي " التفسير "، له (268) ، والبخاري 8/168 (6663) ، والنسائي في " الكبرى " (11149) ، وابن الجارود
(925) ، والطبري في " تفسيره " (3500) و (3507) ، وابن أبي حاتم في " تفسيره "
(2152) و (6701) و (6702) ، والبيهقي 10/48 و49.
(¬3) البقرة: 225.
(¬4) انظر: المسائل الفقهية من كتاب الروايتين والوجهين 2/143-147، والواضح في شرح مختصر الخرقي 5/150، والهداية 2/130 بتحقيقي.
(¬5) سقطت من (ص) .
(¬6) قال القاضي أبو يعلى: ((إذا أتى بصريح الطلاق ونوى به شيئاً يخالف الظاهر هل يصدق في الحكم أم لا؟ على روايتين:
إحداهما: يصدق لأنه لا خلاف أنَّه لو قال لمدخول بها: أنت طالق طالق، وقال أردت بالثانية إفهامها إنْ قد وقع بها طلقة قبل منه ذلك، كذلك هاهنا؛ ولأنَّها يمين يصدق فيها في الباطن فصدق فيها في الظاهر.
والرواية الثانية: لا يصدق في الحكم لأنَّ ما قاله خِلاف الظاهر فلم يصدق في حقها كما لو أقر بألف درهم، ثم رجع وقال: كذبت في إقراري وليس له قبلي شيء فإنَّه يحتمل ما قال، ولكن لا يصدق في الحكم لأنه خِلاف الظاهر، كذلك هاهنا، وقد نص على هذه الرواية في مواضع)) . انظر: المسائل الفقهية من كتاب الروايتين والوجهين 2/147-148.
(¬7) زاد بعدها في (ص) : ((له)) .
(¬8) زاد بعدها في (ص) : ((أنت)) .
(¬9) في غريب الحديث 3/379-380.

وأخرجه: سعيد بن منصور في " سننه " (1192) و (1193) .
(¬10) سقطت من (ص) .
(¬11) في (ص) : ((من تكلم بشبهة الطلاق)) .
(¬12) سقطت من (ص) .

الصفحة 91