كتاب جامع العلوم والحكم ت ماهر الفحل (اسم الجزء: 3)

فالحديث حينئذ مرسل، والتعضية: هي القسمة. ومتى تعذَّرَتِ القسمةُ، لكون المقسوم يتضرَّرُ بقسمته، وطلب أحدُ الشَّريكين البيعَ، أجبر الآخر، وقسم الثَّمنُ، نصَّ عليه أحمدُ وأبو عبيد وغيرهما مِنَ الأئمة.
وأما الثاني - وهو منع الجار من الانتفاع بملكه، والارتفاق به - فإن كان ذلك يضرُّ بمن انتفعَ بملكه، فله المنعُ، كمن له جدارٌ واهٍ لا يحتمل أنْ يُطرَحَ عليه خشَبٌ، وأمَّا إنْ لم يضرَّ به، فهل يجب عليه التَّمكين، ويحرم عليه الامتناع أم لا؟ فمن قال في القسم الأول: لا يمنع المالك مِنَ التَّصرُّف في ملكه، وإن أضرَّ بجاره، قال هنا: للجار المنع منَ التصرُّف في ملكه بغير إذنه، ومن قال هناك بالمنع، فاختلفوا هاهنا على قولين: أحدهما: المنع هاهنا وهو قول مالك. والثاني: أنَّه لا يجوزُ المنع، وهو مذهبُ أحمد في طرح الخشب على جدار جاره، ووافقه الشافعيّ في القديم وإسحاق وأبو ثور، وداود، وابنُ المنذر، وعبدُ الملك بن حبيب المالكي، وحكاه مالكٌ عن بعض قُضاة المدينة.
وفي الصحيحين (¬1) عن أبي هُريرة، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قال: ((لا يمنعنَّ أحدُكُم جارَه أنْ يَغرِزَ خشبة (¬2) على جِداره)) قال أبو هريرة: مالي أراكم عنها مُعرِضين،

والله لأَرمِينَّ بها بَيْنَ أكتافِكُم (¬3) .
وقضى عمر بن الخطاب على محمد بن مسلمة أن يُجري ماء جاره في أرضه، وقال: لتمرنّ به ولو على بطنِكَ (¬4) .
وفي الإجبار على ذلك روايتان عن الإمام أحمد، ومذهبُ أبي ثور الإجبار على إجراء الماء في أرض جارِه إذا أجراه في قناة في
¬_________
(¬1) صحيح البخاري 3/173 (2463) ، وصحيح مسلم 5/57 (1609) (136) .
(¬2) هذه اللفظة في كثير من كتب التخريج: ((خشبةً)) بالإفراد، وفي بعضها: ((خشبه)) بالجمع، وانظر شرح صحيح مسلم 6/124.
(¬3) أي: لأشيعن هذه المقالة فيكم، فلا يمكن لكم أن تعرضوا عن العمل يومها، أو الضمير للخشبة، والمعنى: إن رضيتم بهذا الحكم، وإلاّ لأجعلن الخشبة بين رقابكم كارهين، والمراد المبالغة في إجراء الحكم فيهم إن ثقل عليهم.
(¬4) أخرجه: مالك في " الموطأ " (2173) برواية الليثي، والشافعي في " المسند " (1495) بتحقيقي، والبيهقي 6/157 وفي " المعرفة "، له (3769) ، ولفظة: ((عن عمرو بن يحيى المازني، عن أبيه؛ أن الضحاك بن خليفة ساق خليجاً له في العُريض، فأراد أن يُمرَّ به في أرض محمد بن سلمة، فأبى محمدٌ، فقال له الضحاك: لم تمنعني وهو لك منفعةٌ، تشرب به أولاً وآخراً ولا يضرك؟ فأبى محمدٌ، فكلم فيه الضحاك عمر بن الخطاب، فدعا عمرُ بن الخطاب محمد بن مسلمة فأمره أن يُخلي سبيله. فقال محمدٌ: لا. فقال عمر: لم تمنع أخاك ما ينفعه، وهو لك نافعُ، تسقي به أولاً وآخراً، وهو لا يضرك؟ فقال محمدٌ: لا والله. فقال عمرُ: واللهِ ليمرُّن به ولو على بطنك فأمره عمرُ أن يمرُّ به. ففعل الضحاك)) .

الصفحة 925