كتاب جامع العلوم والحكم ت ماهر الفحل (اسم الجزء: 3)

وقدَّره مالكٌ وبعضُ أصحاب أحمد بثلث الثَّمنِ، فإن اختارَ المشتري حينئذٍ الفسخَ، فله ذلك، وإن أراد الإمساكَ، فإنَّه يحطُّ ما غُبِنَ به من الثَّمن، ذكره أصحابنا.
ويحتمل أن يُفسَّرَ التَّناجُشُ المنهيُ عنه في هذا الحديث بما هو أعمُّ من ذلك، فإنَّ أصلَ النَّجش في اللُّغة: إثارةُ الشَّيءِ بالمكرِ والحيلةِ والمخادعةِ، ومنه سُمِّي النَّاجِشُ في البيع ناجشاً، ويسمّى الصَّائدُ في اللغة ناجشاً (¬1) ، لأنَّه يُثير الصَّيد بحيلته عليه، وخِداعِه له، وحينئذٍ، فيكونُ المعنى: لا تتخادَعوا، ولا يُعامِلْ بعضُكُم بعضاً بالمكرِ والاحتيال. وإنَّما يُرادُ بالمكر والمخادعة إيصالُ الأذى إلى المسلم: إمَّا بطريقِ الأصالة، وإما اجتلاب نفعه بذلك، ويلزم منه وصولُ الضَّرر إليه، ودخولُه عليه، وقد قال الله - عز وجل -: {وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلاَّ بِأَهْلِهِ} (¬2) . وفي حديث ابن مسعودٍ عنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: ((مَنْ غَشَّنا فليس منَّا، والمكرُ والخِداعُ في النار)) (¬3) .
¬_________
(¬1) انظر: " لسان العرب " (نجش) .
(¬2) فاطر: 43.
(¬3) أخرجه: ابن حبان (567) و (5559) ، والطبراني في " الكبير " (10234) وفي
" الصغير "، له (725) ، وأبو نعيم في " حلية الأولياء " 4/189، والقضاعي في " مسند الشهاب " (253) و (254) و (354) ، وكل طرق الحديث لا تخلو من مقال.

الصفحة 974