كتاب جامع العلوم والحكم ت ماهر الفحل (اسم الجزء: 3)

فأمَّا لأجلِ الدِّين، فتجوزُ الزِّيادةُ على الثلاثِ (¬1) ، نصَّ عليه الإمام أحمدُ، واستدلَّ بقصَّةِ الثَّلاثةِ الَّذينَ خُلِّفوا، وأمر النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بهجرانهم لمَّا خاف منهمُ النِّفاق، وأباح هِجران أهلِ البدع المغلَّظة والدعاة إلى الأهواء، وذكر الخطابي أنَّ هِجران الوالدِ لولده، والزَّوج لزوجته، وما كان في معنى ذلك تأديباً تجوزُ الزِّيادة فيه على الثَّلاث؛ لأنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - هجر نساءه شهراً (¬2) .
واختلفوا: هل ينقطع الهِجران بالسَّلام؟ فقالت طائفةٌ: يَنقطِعُ بذلك، ورُوي عن الحسن ومالكٍ في رواية ابن وهبٍ (¬3) ، وقاله طائفةٌ من أصحابنا، وخرَّج أبو داود (¬4) من حديث أبي هريرة عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: ((لا يحلُّ لمؤمنٍ أنْ يهجُرَ مؤمناً فوق ثلاثٍ، فإن مرَّت به ثلاثٌ، فليلقَهُ، فليسلِّم عليهِ، فإن ردَّ عليهِ السَّلامَ، فقد اشتركا في الأجر، وإن لم يردَّ عليهِ، فقد باءَ بالإثم، وخرج المُسلِّمُ من الهجرة)) . ولكن هذا فيما إذا امتنع الآخرُ من الرَّدِّ عليهِ، فأمَّا معَ الرَّدِّ إذا كانَ بينهما قبل الهجرةِ مودَّةٌ، ولم يعودا إليها، ففيه نظر. وقد قالَ أحمد في رواية الأثرم، وسئل عن السَّلام: يقطعُ الهِجران؟ فقال: قد
¬_________
(¬1) انظر: التمهيد 6/127.
(¬2) انظر: معالم السنن 4/114.
(¬3) انظر: تحفة الأحوذي 6/51 (ط. دار الكتب العلمية) .
(¬4) في " سننه " (4912) .
وأخرجه: البيهقي 10/63، وفي إسناده مقال.

الصفحة 981