كتاب جامع المسانيد لابن الجوزي (اسم الجزء: 1)

عن النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: أنّهم كانوا صفوفًا خلف النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- في الظُّهر أو العصر، فرآه يتناول شيئًا بين يدَيه وهو في الصلاة ليأخذَه، ثم تناوله ليأخذَه، ثم حِيل بينه وبينه، ثم تأخّر وتأخّر، فلما سلَّمَ قال أُبيّ بن كعب: يا رسول اللَّه، رأيناك اليوم تصنعُ في صلاتك شيئًا لم تكن تصنعه. قال: "إنّهُ عُرِضت عليّ الجنّة بما فيها من الزَّهرة والنَّضرة، فتناولْتُ قِطفًا من عنبها لآتِيَكم به، ولو أخذْتُه لأكل منه مَن بينْ السماء والأرض لا ينتقصونه، فحيل بيني وبينه، وعُرِضت عليّ النّار، فلمّا وجدْتُ حرَّ شُعاعها تأخّرتُ، وأكثرُ من رأيتُ فيها النّساءُ، اللاتي إن أُؤتُمِنَ أفْشَيْنَ، وإن سَأَلْن أحْفَين (١)، وإن أُعْطِين لم يَشْكُرْنَ، ورأيْتُ فيها عمرو ابن لُحيّ يجرُّ قُصْبَه، وأشبهُ من رأيتُ به مَعْبَدُ بن أكثم" قال مَعْبَد (٢): أي رسول اللَّه، يُخْشَى عليّ من شَبَهِه، فإنه والد؟ قال: "لا، أنت مؤمن وهو كافر، وهو أوّلُ من جمع العرب على الأصنام" (٣).
(٣٧) الحديث السابع والثلاثون: حدّثنا عبد اللَّه بن أحمد قال: حدّثني محمّد بن عبد الرّحيم أبو يحيى البزّاز قال: حدّثنا يونس بن محمّد قال: حدّثنا معاذ بن محمد بن معاذ محمد بن أبيّ بن كعب قال: حدّثني أبي محمد بن معاذ عن معاذ بن محمد عن أبيّ بن كعب:
أنّ أبا هريرة كان جريئًا على أن يسأل رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عن الأشياء لا يسأله عنها غيره، فقال: يا رسول اللَّه, ما أوّلُ ما رأيتَ من أمر النّبوّة؟ فاستوى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- جالسًا وقال: "لقد سألتَ أبا هريرة، إني لفي صحراءَ, ابنُ عشر سنين وأشهر، وإذا بكلامٍ فوقَ رأسي، وإذا رجلٌ يقول لرجل: أهو هو (٤)؟ فاستقبلاني بوجوه لم أرها لخَلقٍ قطّ، وأرواح لم أجدها من خلق قطّ، وثياب لم أرها على أحد قطّ، فأقبلا إليّ يمشيان، حتى أخذ كلُّ واحد منهما بعَضُدي لا أجد لأحدهما مسًّا، فقال أحدهما لصاحبه: أضْجِعْه، فأَضجعاني بلا
---------------
(١) ويروى "أَلْحَفْنَ" ومعناهما الإلحاح والاستقصاء في السؤال.
(٢) في ترجمة أكثم بن الجون -أو ابن أبي الجون، ذكر ابن حجر قول النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، وأنه روي أن أشبههم به أكثم، أو معبد بن أكثم. ينظر الإصابة ١/ ٧٤, ٧٥.
(٣) المسند ٥/ ١٣٧. وعبد اللَّه بن محمّد مختلف فيه. وصحّحه الحاكم والذهبي ٤/ ٦٠٤ من طريق عبيد اللَّه ابن عمرو. وهو في المختارة ٣/ ٣٩٥, ٣٩٦ (١١٩٣, ١١٩٤).
(٤) في المسند بعده: "فقال: نعم".

الصفحة 30