كتاب جامع المسانيد لابن الجوزي (اسم الجزء: 2)

سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ما من أحدٍ يدعو بدُعاء، إلا آتاه اللَّه ما سألَ، وكفَّ (١) عنه من السوء مثلَه، ما لم يَدْعُ بإثمٍ ولا بقطيعة رَحِم" (٢).
(٨٦٨) الحديث الثامن: حدّثنا مسلم قال: حدّثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال: حدّثنا حاتم بن إسماعيل المدني عن جعفر بن محمّد عن أبيه قال:
دخَلْنا على جابر بن عبد اللَّه، فسألَ عن القوم حتى انتهى إليّ، فقلت: أنا محمّد بن علي بن الحُسين، فأهوى بيده إلى رأسي فنزع زِرّي الأعلى، ثم نزع زِرّي الأسفل، ثم وضع كفَّه بين ثَدْيَيَّ وأنا غلامٌ شابٌّ، فقال: مرحبًا بك يا ابن أخي، سَلْ عمّا شِئْتَ. فسألْتُه وهو أعمى، وحضَرَ وقتُ الصلاة، فقام في نِساجة (٣) ملتحفًا بها، كلّما وضعَها على مَنْكِبَيه رجعَ طرفاها إليه من صِغَرها، ورِداؤُه إلى جنبه على المِشْجَب (٤) فصلّى بنا، فقلت: أخبِرْنِي عن حَجّة رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-:
فقال بيده -فعَقَدَ تسعًا- فقال: إنّ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- مَكَثَ تسع سنين لم يَحُجَّ، ثم أذَّنَ في النّاس في العاشرة: إنّ رسول اللَّه حاجٌّ. فقَدِمَ المدينة بَشَرٌ كثير، كلُّهم يلتمسُ أن يأتَمَّ برسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ويعملَ مثلَ عملِه، فخرجْنا معه حتى أتيْنا ذا الحليفة، فولَدَتْ أسماءُ بنت عُميس محمّد بن أبي بكر، فأرسلتْ إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: كيف أصنع؟ فقال: "اغتسلي، واسْتَثْفري (٥) بثوب، وأَحْرِمي" فصلّى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في المسجد، ثم رَكِبَ القَصواء، حتى إذا استَوَتْ به ناقَتُه على البيداء، نظرْتُ إلى مدّ بصري بين يَدَيه من راكبٍ وماشٍ، وعن يمينه مثل ذلك، وعن يساره مثل ذلك، ومن خلفه مثل ذلك، ورسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بين أظهرنا، وعليه ينزلُ القرآنُ، وهو يعرِف تأويله، وما عَمِلَ به من شيء عَمِلْنا به. فأهلّ بالتوحيد: "لبّيك اللهمّ لبّيك، لبّيك لا شريكَ لك لبّيك، إنّ الحمْدَ والنِّعمةَ لك والملك، لا شريكَ لك" وأهلَّ الناسُ بهذا الذين يُهِلُّون به، فلم يَرُدَّ عليهم رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-
---------------
(١) في المسند والترمذي "أو كفّ".
(٢) المسند ٢٣/ ١٦٢ (١٤٨٧٩)، وفي إسناده ابن لَهيعة، وحسّنه المحقّق لغيره. وأخرجه بالإسناد نفسه الترمذي ٥/ ٤٣١ (٣٣٨١) وقال: وفي الباب عن أبي سعيد وعبادة بن الصامت. وجعله الألباني في صحيح الترمذي.
(٣) النِساجة: نوع من الملاحف، منسوج.
(٤) المشجب: أعوادٌ تعلّق عليها الثياب.
(٥) الاستثفار: أن تضع المرأة خرقة مكان نزول الدم.

الصفحة 26