كتاب جامع المسانيد لابن الجوزي (اسم الجزء: 2)

شيئًا منه. ولزِم رسول اللَّه تلبيته، قال جابر: لسنا ننوي ألّا الحجّ، لسنا نعرفُ العمرة، حتى إذا أتَينا البيتَ معه استلم الرّكن فَرَمَل ثلاثًا ومشى أربعًا، ثم نَفَذَ إلى مقام إبراهيم عليه السلام، فقرأ: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} [البقرة: ١٢٥] فجعل المقام بينَه وبين البيت، فكان أبي يقول: ولا أعلمه ذكره إلّا عن النّبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يقرأ في الركعتين: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} و {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ} ثم رجع إلى الرُّكن فاستلمه، ثم خرج من الباب إلى الصّفا، فلما دنا من الصّفا قرأ: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} [البقرة: ١٥٨] "أبدأُ بما بدأَ به اللَّه تعالى" قال: فبدأ بالصَّفا فرَقِيَ عليه حتى رأى البيتَ، فاستقبلَ القِبْلَةَ، فوحّدَ اللَّهَ عزّ وجلّ وكبَّر وقال: "لا إله إلّا اللَّه وحدَه لا شريكَ له، له الملكُ وله الحمدُ وهو على كلّ شيء قدير، لا إله إلّا اللَّه وحدَه، أنجزَ وعدَه، ونصرَ عبدَه، وهزمَ الأحزابَ وحدَه" ثم دعا بين ذلك، فقال مثل هذا ثلاث مرّات، ثم نزل إلى المَروة حتى انصبّت قدماه في بطن الوادي (١)، حتى إذا صَعِدَتا مشى، حتى أتى المروة، ففعل على المَروة كما فعل على الصّفا، حتى إذا كان آخرَ طواف المروة، قال: "لو أنّي استقبلْتُ من أمري ما استدبرْتُ لم أَسُقِ الهَدي، وجعلْتُها عمرة. فمن كان منكم ليس معه هَديٌ فليَحِلّ وليجعلْها عُمرة". فقام سُراقة بن جُعْشُم فقال: يا رسول اللَّه، أَلِعامِنا هذا أم للأبد؟ فشبّك رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أصابعه واحدةً في الأخرى وقال: "دَخَلَت العمرةُ في الحجّ -مرّتين- لا، بل لأبدِ الأبد".
وقَدِم عليٌّ من اليمن ببُدْن النّبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فوجدَ فاطمةَ ممّن حلَّ، ولَبِست ثيابًا صَبيغًا واكتحلت، فأنكر ذلك عليها، فقالت: أبي أمرَني بهذا. قال: فكان عليٌّ يقول بالعراق: فذهبتُ إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- مُحَرّشًا على فاطمة للّذي صنعت، مستفتيًا رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فيما ذكرتْ عنه، فأخبرْتُه أنّي أنكرتُ ذلك عليها. فقال: "صَدَقَتْ، صَدَقَتْ. ماذا قُلْتَ حين فَرَضْتُ الحجّ؟ " قال: قلتُ: اللهمّ إنّي أُهلُّ بما أهلَّ به رسولُك -صلى اللَّه عليه وسلم-. قال: "فإنّ معي الهديَ، فلا تحِلّ" قال: فكان جماعةُ الهدي الذي قَدِمَ به عليٌّ من اليمن والذي أتى به رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- مائة. قال: فحلّ النّاسُ كلُّهم وقصَّروا إلا النّبيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- ومن كان معه هديٌ.
فلمّا كان يوم التروية توجَّهوا إلى منى، فأهلُّوا بالحجّ، وركبَ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فصلَّى
---------------
(١) في مسلم زيادة "سعى".

الصفحة 27