كتاب جامع المسانيد لابن الجوزي (اسم الجزء: 5)

ألا تَحْمِلَنا ثم حَمَلْتَنا. فقال: "ما أنا حَمَلْتُكم، بل اللَّهُ عزّ وجلّ حَمَلَكم. إنّي واللَّهِ -إنّ شاء اللَّه- لا أحلِفُ على يمينٍ فأرى غيرَها خيرًا منها إلّا أتيتُ الذي هو خيرٌ وكفَّرْتُ يميني. أو قال: إلّا كفّرْتُ يميني وأتيت الذي هو خير" (١).
* طريق آخر:
حدّثنا أحمد قال: حدّثنا إسماعيل قال: أخبرنا أيّوب عن القاسم التميمي عن زَهْدَم الجَرمي قال:
كُنّا عند أبي موسى، فقدَّم من طعامه لحمَ دجاج، وفي القوم رجل من بني تميم، أحمرُ كأنّه مولى، فلم يَدْنُ، فقال له أبو موسى: ادْنُ، فإني قد رأيتُ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يأكل منه. قال: إني رأيته يأكل شيئًا فقَذِرْتُه، فحلفت ألا أطعَمُهُ أبدًا. فقال: ادُن أخبرك عن ذلك:
إني أتيْتُ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في رَهْطٍ من الأشعريّيْن نَسْتَحْمِلهُ وهو يقسم نَعَمًا من نَعَم الصدقة. قال أيوب: أحسبه وهو غضبان. فقال: واللَّه لا أحمِلُكم، وما عندي ما أحمِلُكم، فانطلَقَ، فأتى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- نهْبُ إبل (٢) فقال: "أين هؤلاء الأشعريّون؟ فأتينا، فأمر لنا بخمس ذَوْدٍ غُرِّ الذُّرى. فاندفعنا، فقلت لأصحابي: أتينا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- نستحمِلُه فحَلَفَ ألّا يحمِلَنا، ثم أرسلَ إلينا فحملَنا. فقلت: نسي رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يمينه، واللَّه لئن تَغَفّلْنا رسول اللَّه لا نفلحُ أبدًا، ارجعوا إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فلنذكَرْه يمينَه. فرجعْنا إليه فقلْنا: يا رسول اللَّه، أتيناك نستحملُك فحلفْتَ ألا تَحْمِلَنا، ثم حَمَلْتَنا فَعَرفْنا - أو ظننّا أنك نسيتَ يمينَك. فقال: "انطَلِقوا، فإنما حملَكُم اللَّهُ، إني واللَّه إن شاء اللَّه - لا أحلفُ على يمين فأرى غيرَها خيرًا منها ألا أتيتُ الذي هو خير وتَحَلَّلْتُها (٣).
الطريقان مخرّجان في الصحيحين.
---------------
(١) المسند ٤/ ٣٩٨، ومن طريق حمّاد بن زيد في البخاري ١١/ ٥١٧ (٦٦٢٣)، ومسلم ٣/ ١٢٦٨ (١٦٤٩). وسليمان من رجال الشيخين.
(٢) نهب إبل: غنيمة.
(٣) المسند ٤/ ٤٠١، والبخاري ١١/ ٦٠٨ (٦٧٢١)، ومسلم ٣/ ١٢٧٠، ٢٧١ ١ (١٦٤٩).

الصفحة 19