كتاب جامع المسانيد لابن الجوزي (اسم الجزء: 5)

أقبلْتُ إلى النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- ومعي رجلان من الأشعريّين، أحدُهما عن يميني والآخرُ عن يساري، كلاهما سألَ العملَ، والنبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- يستاكُ، قال: "ما تقول يا أبا موسى، أو: يا عبد اللَّه بن قيس؟ " قلتُ: والذي بعثَك بالحقِّ نبيًّا، ما أطْلَعاني على ما في أنفسهما، وما شعرْتُ أنهما يطلُبان العمل. قال: فكأنّي انظر إلى سِواكه تحت شفته قَلَصت، قال: "إنّا لا نستعملُ على عملنا من أراده، ولكن اذهب أنت يا أبا موسى - أو يا عبد اللَّه بن قيس" فبعثَه على اليمن، ثم أتبعه معاذ بن جبل. فلمّا قَدِمَ عليه قال: انزل، وألقى له وسادة، فإذا رجلٌ عنده مُوثَق. قال: ما هذا؟ قال: كان يهوديًّا فأسلم، ثم راجع دينه (١)، فأمر به فقُتِل.
ثم تذاكرا قيام الليل، فقال معاذ بن جبل: أما أنا فأنام وأقوم، وأقوم وأنام، وأرجو في نومتي ما أرجو في قومتي (٢).
* طريق لبعضه:
حدّثنا أحمد قال: حدّثنا محمد بن جعفر قال: حدّثنا شعبة عن سعيد بن أبي بردة عن أبيه عن جدّه قال:
بعث رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أبا موسى ومعاذ بن جبل إلى اليمن، فقال لهما: "يَسِّرا ولا تُعَسِّرا، وبَشِّرا ولا تُنَفِّرا، وتطاوَعا".
فقال أبو موسى: يا رسول اللَّه، إنّا بأرض يُصنعُ فيه شرابٌ من العسل يُقال له البِتع، وشرابٌ من الشّعير يقال له المِزْر. فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "كلُّ مُسْكرٍ حَرام" (٣).
هذا الطريق والذي قبله متّفق على صحّتهما.
* طريق لبعضه:
حدّثنا أحمد قال: حدّثنا عبد الرّزاق قال: حدّثنا سفيان عن إسماعيل بن أبي خالد عن أخيه عن أبي بردة عن أبي موسى قال:
---------------
(١) في المسند زيادة "دين السوء، فتهوّد. قال: لا أجلس حتى يُقتل، قضاء اللَّه ورسوله، ثلاث مرار".
(٢) المسند ٤/ ٤٠٩، ومسلم ٣/ ١٤٥٦ (١٧٣٣) وأخرجه البخاري من طريق أبي بردة ٨/ ٦٠ (٤٣٤١)، وجزءًا منه من طريق يحيى ١٣/ ١٣٤ (٧١٥٦).
(٣) المسند ٤/ ٤١٧. ومن طريق شعبة في البخاري ٨/ ٦٢ (٤٣٤٤)، ومن طريق سعيد في مسلم ٣/ ١٥٨٦ (١٧٣٣).

الصفحة 35