كتاب الجمع بين الصحيحين (اسم الجزء: 4)

وَلَقَد جَاءَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَيْتِي فَسَأَلَ عني خادمي، فَقَالَت:
لَا وَالله، مَا علمت عَلَيْهَا عَيْبا، إِلَّا أَنه كَانَت ترقد حَتَّى تدخل الشَّاة فتأكل خبزها أَو عَجِينهَا - فِي حَدِيث مُسلم: فتأكل عَجِينهَا، أَو قَالَت: خميرها - شكّ هِشَام. وانتهرها بعض أَصْحَابه فَقَالَ: اصدقي رَسُول الله، حَتَّى أسقطوا لَهَا بِهِ. فَقَالَت: سُبْحَانَ الله، وَالله مَا علمت عَلَيْهَا إِلَّا كَمَا يعلم الصَّائِغ على تبر الذَّهَب الْأَحْمَر. وَبلغ الْأَمر ذَلِك الرجل الَّذِي قيل لَهُ، فَقَالَ: سُبْحَانَ الله، وَالله مَا كشفت كنف أُنْثَى قطّ.
قَالَت عَائِشَة: فَقتل شَهِيدا فِي سَبِيل الله.
قَالَت: وَأصْبح أبواي عِنْدِي، فَلم يَزَالَا حَتَّى دخل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقد صلى الْعَصْر، ثمَّ دخل وَقد اكتنفني أبواي عَن يَمِيني وَعَن شمَالي، فَحَمدَ الله وَأثْنى عَلَيْهِ، ثمَّ قَالَ: " أما بعد يَا عَائِشَة، إِن كنت قارفت سوءا أَو ظلمت فتوبي إِلَى الله، فَإِن الله يقبل التَّوْبَة عَن عباده ". قَالَت: وَقد جَاءَت امْرَأَة من الْأَنْصَار، فَهِيَ جالسةٌ بِالْبَابِ فَقلت: أَلا تَسْتَحي من هَذِه الْمَرْأَة أَن تذكر شَيْئا؟ فوعظ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَالْتَفت إِلَى أبي فَقلت: أجبه. قَالَ: فَمَاذَا أَقُول؟ فَالْتَفت إِلَى أُمِّي فَقلت: أجيبيه. فَقَالَت: أَقُول مَاذَا؟ فَلَمَّا لم يجيباه تشهدت، فحمدت الله وأثنيت عَلَيْهِ بِمَا هُوَ أَهله، ثمَّ قلت: أما بعد، فوَاللَّه لَئِن قلت لكم: إِنِّي لم أفعل - وَالله يعلم إِنِّي لصادقة - مَا ذَاك بنافعي عنْدكُمْ، لقد تكلمتم بِهِ وأشربته قُلُوبكُمْ، وَإِن قلت إِنِّي قد فعلت - وَالله يعلم أَنِّي لم افْعَل لتقولن: قد باءت بِهِ على نَفسهَا، وَإِنِّي وَالله مَا أجد لي وَلكم مثلا - والتمست اسْم يَعْقُوب فَلم أقدر عَلَيْهِ - إِلَّا أَبَا يُوسُف حِين قَالَ: {فَصَبر جميل وَالله الْمُسْتَعَان على مَا تصفون} [يُوسُف] .
وَأنزل على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من سَاعَته، فسكتنا، فَرفع عَنهُ وَإِنِّي لأتبين السرُور فِي وَجهه وَهُوَ يمسح جَبينه، وَيَقُول: " أَبْشِرِي يَا عَائِشَة، فقد أنزل الله براءتك " قَالَت: وَكنت أَشد مَا كنت غَضبا، فَقَالَ لي أبواي: قومِي إِلَيْهِ، فَقلت: لَا وَالله، لَا أقوم

الصفحة 117