كتاب الجمع بين الصحيحين (اسم الجزء: 4)

كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا أَرَادَ أَن يخرج سفرا أَقرع بَين أَزوَاجه، فأيتهن خرج سهمها خرج بهَا مَعَه. قَالَت: فأقرع بَيْننَا فِي غزاةٍ غَزَاهَا فَخرج سهمي فِيهَا، فَخرجت مَعَه بَعْدَمَا أنزل الْحجاب، فَأَنا أحمل فِي هودجي وَأنزل فِيهِ، فسرنا حَتَّى إِذا فرغ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من غزوته تِلْكَ وقفل، ودنونا من الْمَدِينَة، آذن لَيْلَة بالرحيل، فَقُمْت حِين آذنوا بالرحيل، فمشيت حَتَّى جَاوَزت الْجَيْش، فَلَمَّا قضيت من شأني أَقبلت إِلَى الرحيل، فلمست صَدْرِي فَإِذا عقدٌ لي من جزع أظفار قد انْقَطع، فَرَجَعت فَالْتمست عقدي، فحبسني ابتغاؤه، وَأَقْبل الرَّهْط الَّذين كَانُوا يرحلون لي، فاحتملوا هودجي فرحلوه على بَعِيري الَّذِي كنت أركب وهم يحسبون أَنِّي فِيهِ، وَكَانَ النِّسَاء إِذْ ذَاك خفافاً لم يثقلن، وَمِنْهُم من قَالَ: لم يهبلن وَلم يغشهن اللَّحْم، وَإِنَّمَا يأكلن الْعلقَة من الطَّعَام، فَلم يستنكر الْقَوْم حِين رَفَعُوهُ ثقل الهودج. وَمِنْهُم من قَالَ: خفَّة الهودج، فاحتملوه، وَكنت جَارِيَة حَدِيثَة السن، فبعثوا الْجمل وَسَارُوا، فَوجدت عقدي بَعْدَمَا اسْتمرّ الْجَيْش، فَجئْت منزلهم وَلَيْسَ فِيهِ أحد، وَمِنْهُم من قَالَ: فَجئْت مَنَازِلهمْ وَلَيْسَ بهَا مِنْهُم داعٍ وَلَا مُجيب، فَتَيَمَّمت منزلي الَّذِي كنت فِيهِ وظننت أَنهم سيفقدونني فيرجعون إِلَيّ.
فَبينا أَنا جالسة غلبتني عيناني فَنمت، وَكَانَ صَفْوَان بن الْمُعَطل السّلمِيّ ثمَّ الذكواني قد عرس من وَرَاء الْجَيْش فادلج، فَأصْبح عِنْد منزلي، فَرَأى سَواد إِنْسَان نَائِم، فَأَتَانِي فعرفني حِين رَآنِي، وَكَانَ يراني قبل الْحجاب، فَاسْتَيْقَظت باسترجاعه حِين عرفني، فخمرت وَجْهي بجلبابي، وَوَاللَّه مَا يكلمني بِكَلِمَة، وَلَا سَمِعت مِنْهُ كلمة غير استرجاعه، وَهوى حَتَّى أَنَاخَ رَاحِلَته، فوطئ على يَديهَا فركبتها، فَانْطَلق يَقُود بِي الرَّاحِلَة حَتَّى أَتَيْنَا الْجَيْش بعد مَا نزلُوا معرسين - وَفِي رِوَايَة صَالح بن كيسَان وَغَيره: موغرين فِي نحر الظهيرة. قَالَ عبد بن حميد: قلت لعبد الرَّزَّاق: مَا قَوْله موغرين؟ قَالَ: الوغرة شدَّة الْحر.

الصفحة 119