كتاب الجمع بين الصحيحين (اسم الجزء: 4)

قَالَت: فَهَلَك من هلك فِي شأني، وَكَانَ الَّذِي تولى كبر الْإِفْك عبد الله بن أبي ابْن سلول، فقدمنا الْمَدِينَة، فاشتكيت بهَا شهرا، وَالنَّاس يفيضون فِي قَول أَصْحَاب الْإِفْك لَا أشعر، وَهُوَ يريبني فِي وجعي أَنِّي لَا أرى من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اللطف الَّذِي كنت أرى مِنْهُ حِين أشتكي، إِنَّمَا يدْخل فَيسلم، ثمَّ يَقُول: " كَيفَ تيكم "؟ ثمَّ ينْصَرف، وَلَا أشعر بِالشَّرِّ حَتَّى نقهت، فَخرجت أَنا وَأم مسطح قبل المناصع، وَهِي متبرزنا، وَكُنَّا لَا نخرج إِلَّا لَيْلًا إِلَى ليل، ذَلِك قبل أَن نتَّخذ الكنف قَرِيبا من بُيُوتنَا، وأمرنا أَمر الْعَرَب الأول من التبرز قبل الْغَائِط، وَكُنَّا نتأذى بالكنف أَن نتخذها عِنْد بُيُوتنَا. فَأَقْبَلت أَنا وَأم مسطح وَهِي ابْنة أبي وهب بن الْمطلب بن عبد منَاف، وَأمّهَا بنت صَخْر بن عَامر خَالَة أبي بكر الصّديق، وَابْنهَا مسطح بن أَثَاثَة ابْن عباد بن الْمطلب - حِين فَرغْنَا من شَأْننَا نمشي، فَعَثَرَتْ أم مسطح فِي مرْطهَا، فَقَالَت: تعس مسطحٌ، فَقلت لَهَا: بئس مَا قلت، أتسبين رجلا شهد بَدْرًا؟ فَقَالَت: يَا هنتاه، ألم تسمعي مَا قَالَ؟ قلت: وَمَا قَالَ؟ فأخبرتني بقول أهل الْإِفْك، فازددت مَرضا على مرضِي. فَلَمَّا رجعت إِلَى بَيْتِي دخل عَليّ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَسلم وَقَالَ: " كَيفَ تيكم؟ " قلت ائْذَنْ لي إِلَى أَبَوي. قَالَت: وَأَنا حِينَئِذٍ أُرِيد أَن أستيقن الْخَبَر من قبلهمَا. فَأذن لي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَأتيت أَبَوي فَقلت لأمي: يَا أمتاه، مَاذَا يتحدث النَّاس بِهِ؟ فَقَالَت: يَا بنية، هوني على نَفسك الشَّأْن، فوَاللَّه لقل مَا كَانَت امرأةٌ قطّ وضيئةً عِنْد رجل يُحِبهَا وَلها ضرائر إِلَّا أكثرن عَلَيْهَا. فَقَالَت: سُبْحَانَ الله، وَلَقَد تحدث النَّاس بِهَذَا! قَالَت: فَبَكَيْت تِلْكَ اللَّيْل حى أَصبَحت لَا يرقأ لي دمعٌ وَلَا أكتحل بنومٍ، ثمَّ أَصبَحت أبْكِي، فَدَعَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَليّ بن أبي طَالب وَأُسَامَة بن زيد حِين استلبث الْوَحْي، يستسشيرهما فِي فِرَاق أَهله. قَالَت: فَأَما أُسَامَة فَأَشَارَ عَلَيْهِ بِمَا يعلم من بَرَاءَة أَهله، وَبِالَّذِي يعلم فِي نَفسه من الود لَهُم، فَقَالَ أُسَامَة: هم أهلك يَا رَسُول الله، وَلَا نعلم وَالله إِلَّا خيرا. وَأما عَليّ ابْن أبي طَالب فَقَالَ: يَا رَسُول الله، لم يضيق الله عَلَيْك، وَالنِّسَاء سواهَا كثير، وسل الْجَارِيَة تصدقك. قَالَت: فَدَعَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَرِيرَة، فَقَالَ: " أَي بَرِيرَة، هَل

الصفحة 120