كتاب جدد حياتك

وحين نصح بأن يعفو المرء إلى سبعين مرة سبع مرات، فإنما كان يعلمنا كيف نتفادى لغط القلب وقرحة المعدة وغيرهما من الأدواء).
وقصة العفو عن الهفوات أكثر من سبعين مرة رويت فى إنجيل "متى". ورويت كذلك فى سنن النبى صلى الله عليه وسلم، فعن عبد الله بن عمر رضى الله عنه: جاء رجل إلى النبى صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، كم أعفو عن الخادم؟ قال، كل يوم سبعين مرة" وفى رواية أن رجلا أتى رسول الله فقال له: إن خادمى يسىء ويظلم، أفأضربه؟ قال: "تعفو عنه كل يوم وليلة سبعين مرة ".
أما محبة الأعداء فلعلها تعنى إيثار العفو عنهم، وتنقية القلب من الضغائن عليهم، وترك الانشغال بما أسلفوا من سيئات، ذلك الانشغال الذى لا ثمرة له إلا تواصل الأحزان وطول الشكايات، وندب ما تتورط فيه الطباع الغليظة من مظالم.
أما أن تكون عواطف الإنسان سواء تجاه من يحسن إليه ومن يجور عليه فذاك مستحيل.
إن المرء يشكر نعمى المحسنين، ويحمد عراقة الأمجاد ويود عشرتهم.
وإنه ليفر من دناءة الأدنياء، ويعاف القرب من نفوسهم والتعرض لمساويهم فكيف يحبهم؟!.
إن ابن آدم الصالح كان طبيعيا فى مشاعره، ومنطقياً مع نفسه ومع العدل عندما كره أخاه القاتل، وتربص به القصاص الواجب، وقال:
(إني أريد أن تبوء بإثمي وإثمك فتكون من أصحاب النار وذلك جزاء الظالمين).
على أن المؤمن مع ذلك كبير القلب، والقلب الكبير ليس تربة لجذور الغل تتشبث فيه وتمتد، كلا.
إن الحقد عنصر غريب عليه، ولذلك ما إن يمر به طيفه حتى يتقلص ويزول.
ثم إن للمؤمن شغلا بمستقبله فى الأخرى والإعداد له فى هذه الدنيا.
والتفرغ للخصومات ديدن من لا عمل لهم إلا اللجاجة وإيثار النزاع.
كذلك كان العرب فى جاهليتهم حتى نزل القرآن يناديهم:

الصفحة 104