كتاب جدد حياتك

وبرغم ذلك فإنه كما يقول ـ مؤلف سيرته ـ لم يزن الناس قط بميزان حبه أو كراهيته لهم.
فإذا أساء رجل إلى شخصه ـ وكان هذا الرجل أصلح الرجال لتقلد منصب من المناصب ـ أسرع "لنكولن " يقلده إياه كما لو كان يقلده صديقا له.
ولا إخاله عزل رجلا عن عمله لأنه كان خصماً له، أو لأنه كان يكرهه.
بل الواقع أن "لنكولن " أوذى وأسىء إليه من رجال قلدهم فيما بعد مناصب ذات وجاهة وسطوة، لأنه يرى ـ كما يقول كاتب سيرته "هندرون" ـ أنه لا ينبغى لرجل أن يمدح أو يذم على عمل يؤديه، لأننا جميعاً مسخرون فى أيدى الظروف والأقدار والبيئة والتعليم، والعادات المكتسبة، والوراثات التى تطبع الناس بطابع لا ينفك عنهم أبداً.
ويحتمل أن يكون "لنكولن " مصيباً، فلو أننا ورثنا الخصائص الجثمانية والذهنية والعاطفية التى ورثها أعداؤنا لكنا على الأرجح قد أصبحنا على غرارهم، وما اختلفنا عنهم.
وقد اعتاد "كلارنس وارد" أن يقول: بدلا من أن نمقت أعداءنا ينبغى أن نشفق عليهم، وأن نحمد الله عز وجل على أنه لم يخلقنا مثلهم.
وبدلا من أن نصب الاتهامات وألوان النقمة على رؤوس أعدائنا يحسن أن نلتمس لهم الرحمة والمعونة والعفو).
* * *
هذه الكلمات التى نضجت بها قلوب كبيرة تذكرنا بموقف رجل من أئمة الفقه الإسلامى، حاولت الحكومة فى عهده أن تحمله على اعتناق رأى دينى لها فأبى الرجل أن يعتنق هذا الخطأ، ورأت الحكومة أن تستعين على إقناعه بالجلد والتنكيل والسجن الطويل، ومع ذلك فقد صبر الرجل على بلائه ورفض أن يبيع عقيدته فى أهواء المبتدعين، ورغبات الجبارين.
فلما يئسوا منه وظنوا أن أجله قد اقترب لهول ما نزل به ردوه إلى بيته.

الصفحة 106