كتاب جدد حياتك

وأخيراً بين من نحسن إليهم، وبين من يستكثرون علينا أن نكون فى مكان يجيئهم منه إحساننا، ويدر عليهم خيرنا.
والجريمة التى ارتكبناها والتى جعلت قلوب هؤلاء تنحرف عنا أننا أسعفناهم يوم احتاجوا، وأننا لما قدرنا على ذلك لم نبخل به.
وكما كانت جريمة ابن آدم الصالح أن الله قبل عمله ولم يقبل عمل أخيه، كذلك كانت جريمة أبى بكر أنه أنفق على قريبه "مسطح " فكان جزاؤه أن "مسطحاً" ما إن سمع الإشاعات الكاذبة تدور حول "عائشة" حتى أسرع يعين على ولى نعمته ويروج مع الأفاكين قالة السوء، بدل أن يرد جميل قريبه بالدفاع عن عرضه!!.
***
إن فى طباع نفر من الناس كنوداً يعز على الدواء، ولست أدرى أأكثر الناس معلولون بهذا الداء، أم تلك قلة عكرت صفو الحياة، كما يعكر عذوبة الماء القليل من الملح.
أيا ما كان الأمر فإن الشكاة من هذا البلاء قديمة جديدة.
كان مالك بن أنس يشكو على عهده قلة الإنصاف، وهو عهد التابعين.
وفى هذا الطغرائى بعد مئات السنين يقول:
غاض الوفاء، وفاض الغدر، واتسعت … مسافة الخلف بين القول والعمل
وإننى لأتلفت يمنة ويسرة وأتفرس فى الجزاء الذى لقيته من الناس، فأحس غصة.
وأريد فى إيجاز أن أكشف بعض الجوانب التى يجب إعلانها فيما أصدر للناس من كتب، حتى يبدو أمرى على حقيقته.
من ثمانى عشرة سنة وأنا أكتب للإسلام وأخطب، والجماعة التى عشت فيها حقبة من الدهر تعلم ذلك عنى.
ولم تكن خطابتى بسطة لسان يهدر بالقول، ولم تكن كتابتى سطوة قلم يصول ويجول، بل كان ذلك كله ذوب عاطفة تضطرم بالإخلاص، وفكر يستكشف صميم الحق ويبادر إلى إعلانه.
وقد انفردت بأسلوب فى شرح تعاليم الإسلام، ومهاجمة الفساد الاقتصادى والاجتماعى والسياسى ـ باسمه ـ لم يشركنى فيه أحد أمداً طويلا.

الصفحة 114