كتاب جدد حياتك

وليس كل امرئ يؤتى القدرة على تحويل قسمته المكروهة إلى حظ مستحب ذى جدوى، فإن عشاق السخط ومدمنى الشكوى أفشل الناس فى إشراب حياتهم معنى السعادة إذا جفت منها، أو بتعبير أصح إذا لم تجئ وفق ما يشتهون.
أما أصحاب اليقين وأولو العزم فهم يلقون الحياة بما فى أنفسهم من رحابة قبل أن تلقاهم بما فيها من عنت.
وكما يفرز الجسم عُصارة معينة لمقاومة الجراثيم الهاجمة يفرز هؤلاء معانى خاصة تمتزج بأحوال الحياة وأغيارها فتعطيها موضوعا وعنوانا جديدين.
واسمع إلى ابن تيمية وهو يقول ـ مستهينا بتنكيل خصومه: إن سجنى خلوة، ونفيى سياحة، وقتلى شهادة .. !! أليست هذه الفواجع أقصى ما يصنعه الطغاة؟
إنها عند الرجل الكبير قد تحولت إلى نعم يستقبلها بابتسام لا باكتئاب.
وقريب من هذا المسلك القوى ما رواه " ديل كارنيجى " عن سيدة نقلت مع زوجها الضابط إلى صحراء موحشة، فضاقت ذرعاً بمعيشتها، وهمت بترك رجلها وحده والعودة إلى أهلها، قالت هذه السيدة: (ولكن خطاباً ورد إلى من أبى تضمن سطرين، سطرين اثنين سأذكرهما ما حييت لأنهما غيرا مجرى حياتى وهذان هما: من خلف قضبان السجن تطلع إلى الأفق اثنان من المسجونين، فاتجه أحدهما ببصره إلى وحل الطريق، أما الآخر فتطلع إلى نجوم السماء.
قالت السيدة: وقد تلوت هذه الكلمات وأعدت تلاوتها مراراً، فخجلت من نفسى وعولت أن أتطلع إلى نجوم السماء.
من قديم عرف تفاوت الهمم باختلاف الطاقات فى الإفادة من الشدائد، والكسب من الظروف الحرجة.
أو كما قال "وليم بوليثو": ليس أهم شىء فى الحياة أن تستثمر مكاسبك، فإن أى أبله يسعه أن يفعل هذا، ولكن الشىء المهم حقاً فى الحياة هو أن تحيل خسائرك إلى مكاسب، فهذا أمر يتطلب ذكاء وحذقاً، وفيه يكمن الفارق بين رجل كيس ورجل تافه).

الصفحة 136