كتاب جدد حياتك

وهذا حق، وانظر إلى هذه الأمثلة لتحويل الخسائر إلى مكاسب: عندما فقد عبد الله بن عباس عينيه، وعرف أنه سيقضى ما بقى من عمره مكفوف البصر، محبوسا وراء الظلمات عن رؤية الحياة والأحياء، لم ينطو على نفسه ليندب حظه العاثر.
بل قبل القسمة المفروضة، ثم أخذ يضيف إليها ما يهون المصاب ويبعث على الرضا فقال: إن يأخذ الله من عينى نورهما ففى لساني وسمعى منهما نور قلبى ذكى، وعقلى غير ذى دخل وفى فمى صارم كالسيف مأثور وقال "بشار بن برد" يرد على خصومه الذين نددوا بعماه وعيرنى الأعداء، والعيب فيهمو فليس بعار أن يقال ضرير إذا أبصر المرء المروءة والتقى فإن عمى العينين ليس يضير رأيت العمى أجراً، وذخرا وعصمة وإنى إلى تلك الثلاث فقير ولا شك أن تلقى المتاعب والنوازل بهذا الروح المتفاءل، وهذه الطاقة على استئناف العيش والتغلب على صعابه، أفضل وأجدى من مشاعر الانكسار والانسحاب التى تجتاح بعض الناس وتقضى عليهم.
وانظر البون بين كلام "ابن عباس " و"بشار"، وبين ما قاله "صالح بن عبد القدوس " لما عمى:
على الدنيا السلام، فما لشيخ … ضرير العين فى الدنيا نصيب
يموت المرء وهو يعد حيا … ويخلف ظنه الأمل الكذوب
يمنينى الطبيب شفاء عينى … وما غير الإله لها طبيب
إذا ما مات بعضك فابك بعضاً … فإن البعض من بعض قريب
ونحن نحس الرقة لهذا الفؤاد الجريح، غير أنه خير لصاحبه أن ينهض ويسير، ويضاعف الإنتاج فى الحياة من مواهبه الأخرى، كما فعل الرجلان قبله.
***

الصفحة 137