كتاب جدد حياتك

ولا تزال نفسه تعجبه، وتنسج حول فكره غلالة سميكة من الغرور والشراهة.
ولا تزال "أنا " تنمو فيه، ويتضاعف ورمها وتضخمها، حتى يقول: " أنا ربكم الأعلى! ".
إن حب الذات، والعيش فى إفرازاتها ـ ولو كانت حريرا كالذى تفرزه دودة القز ـ منته حتما بالاختناق.
وهو اختناق أدبى وإن وصل صاحبه إلى قمة المجد والسلطان!! و" أنا " دائما ـ شارة القصور الأدبى، والتصرف البهيمى.
والأنانيون فى كل مجتمع لعنة ما حقه، تحترق فى سعيرها الفضائل والمصالح، وتذوب فى مرضاتها الأفراد والجماعات.
ولا بأس أن نستطرد قليلا هنا لنذكر أن قوله "أنا" قد تكون آية علي تحمل التبعات الضخمة.
وقد تكون مقصودة لذكر حقيقة يجب أن تتقرر فى الأذهان.
وهى فى هذه المجالات أقرب إلى الإيثار منها إلى الأثرة.
بل لا صلة لها بالمعانى الضيقة التى تعرف بها، وذلك كما فى الآية الكريمة:
(قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني)
وكما فى قول الرسول صلى الله عليه وسلم: "أنا النبى لا كذب، أنا ابن عبد المطلب".
فأنا فى هذه المناسبات صيحة القوة لنصرة الحق، وفاتحة العمل لدعم الإيمان، والتعهد بأداء الواجب وان نهضت تكاليفه، والشعور الحاد بأن المرء قبل غيره مفروض عليه أن يقوم بما ندب إليه.
وفى الحديث أيضا: " إن أخشاكم وأعلمكم بالله أنا " فأنا هنا ليست ترجمة غرور واستعلاء، ولا يمكن بتة أن تومىء إلى هذه المشاعر، وإنما هى تحديد للمصدر الذى يؤخذ منه الحق وتقتبس منه الأسوة الحسنة، وينظر إلى ما عداه على أنه تنكب والتواء.

الصفحة 139