كتاب جدد حياتك

روى أن صحابياً وقع فى أيدى المشركين فحبسوه ليقتلوه، فتسرب إليه صبى من أهل الحى وقعد فى حجره، وكانت بيد الأسير موسى يحلق بها زوائده، فتلفتت أم الصبى مذعورة؟ وقد رأت وليدها فى حجر الأسير، وطارت بلبها الظنون، فأقبلت عليه فزعة، فنظر إليها الأسير فى وداعة ورقة وقال لها: "أظننت أن يصيب ابنك شر، ما كنت لأفعل ذلك إن شاء الله ".
ذاك هو المسلم الحق.
وروى أن "أبا ذر" رضى الله عنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال: "على كل نفس فى كل يوم طلعت فيه الشمس صدقة".
قلت: "يا رسول الله: من أين أتصدق وليس لنا أموال؟ ".
قال: "من أبواب الصدقة: التكبير، وسبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، وأستغفر الله، وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، وتعزل الشوك عن طريق الناس والعظم والحجر، وتهدى الأعمى، وتسمع الأصم والأبكم حتى يفقه، وتدل المستدل على حاجة له قد علمت مكانها، وتسعى بشدة ساقيك إلى اللهفان المستغيث، وترفع بشدة ذراعيك مع الضعيف، كل ذلك من أبواب الصدقة منك على نفسك ".
فانظر سعة الدائرة التى يمتد إليها نشاط الفرد الواحد فى مساعدة الآخرين ومواساتهم.
إن العافية إذا ملأت بدن امرئ فإن الله ينيط بها حقوقاً جمة، ويفرض على كل عظم وعصب مدداً ينشط عليه الضعاف، ويستريح به المصابون .. ولا غرو فالعافية رأس مال ضخم، ولكن أكثر الناس يسيئون استغلاله ويحقرون مناله.
فإن كانت هذه وظيفة المسلم الواحد فى بيئته المحدودة فكيف تكون وظيفة الأمة الإسلامية بين أمم العالم أجمع؟ إن أداء حق الله فى هذا المضمار النافع أساس النجاح فى الدنيا وأساس الفوز فى الأخرى.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "صنائع المعروف تقى مصارع السوء، والصدقة تطفئ غضب الرب، وأهل المعروف فى الدنيا هم أهل المعروف فى الأخرة، وأهل المنكر فى الدنيا هم أهل المنكر فى الآخرة، وأول من يدخل الجنة هم أهل المعروف ".
***

الصفحة 144