كتاب جدد حياتك

كما ينزل المطر على الرخام فيغسل ما على سطحه، ويكشف عن طبيعته، يجئ الجزاء الأعلى فيكتسح ما على القلوب المتحجرة من تراب يشبهها بالأرض الخصبة، وبذلك تبدو على يبسها وجفافها وإقفارها من المعروف والفضل.
أما القلوب الأخرى فإن أسرار البركة المودعة فيها، وآمال البر والإحسان المرتقبة منها تجعل الجزاء الأعلى يحل بها غيثاً غدقاً تمرع به وتزدان.
فلنفعل الخير عن حب مكين، ولنطهره من علل المن والظهور، ولنتحرر من الأغراض الصغيرة التى تجعل الرجل لا يعطى إلا ليكتسب نصيرا، أو ليتخذ يداً.
***
والأمر يحتاج إلى مران طويل كيما يخلص العمل من الشوائب التى تشينه، فتشبث "الأنانية" بالنفس كبير، والتماس العوض العاجل على بذل المعروف شائع بين الناس، وإن اختلفت مشاربهم فى نوع هذا العوض ومقداره.
ولن يخطئك ـ وأنت تلمح مسالك الناس ـ أن ترى طغيان الذات ـ لا حب الذات ـ كامنا وراء الكثير من الأعمال والأحوال، وان اجتهد أصحابها فى إلباسها صوراً بعيدة عن الريبة والجور.
والاضطراب الاجتماعى الذى نعانيه إنما ينبع من هذه العين الحمئة، فإن فقدان التعاون، وقلة الاكتراث بشئون الجماعة، وتأخير الاهتمام بالبلد الذى نحيا فيه والأمة التى نرتبط بها والرسالة التى ننتسب إليها، كل ذلك أمارة على ضعف اليقين ونجوم النفاق.
وقد وصف الله عز وجل المنسحبين من معركة أحد وصفاً يكشف عن داء الأنانية المتغلغل فى نفوسهم فقال: (وطائفة قد أهمتهم أنفسهم يظنون بالله غير الحق ظن الجاهلية يقولون هل لنا من الأمر من شيء قل إن الأمر كله لله)

الصفحة 146