كتاب جدد حياتك

فهؤلاء قوم أعجبتهم أنفسهم وحدها وآراؤهم وحدها، فإذا لم يسمع لهم، وإذا لم ينزل الآخرون على رأيهم، فلن تراهم إلا ساخطين ناقدين.
ومن هؤلاء من يربط رأيه بمدى المنفعة التى تعود عليه، فإن امتلأت يداه صاح حامداً، وإن نسى أو تنوسى انفتل يصخب ويحتج ويتلمس المطاعن.
(ومنهم من يلمزك في الصدقات فإن أعطوا منها رضوا وإن لم يعطوا منها إذا هم يسخطون).
وجمهور كبير من الناس يعيشون فى حدود مطالبهم الخاصة، فإذا كانت لهم حاجة اشتد إحساسهم بها، وطال إلحاحهم فى قضائها.
ولا يزالون يسعون وراء الذى لهم ـ أو بتعبير أدق ـ ما يرون أنه لهم حتى يدركوه عن آخره، بل يزيدون ويغالون.
أما إذا كان عليهم شىء فهم يذهلون عنه، وقلما يذكرونه إلا إذا طولبوا به وأزعجوا إليه، فإذا أدوه بعد ذلك فهو أداء ناقص مبتسر.
هذا لون من الأثرة الجشعة الجائرة ذكر القرآن بعض صوره فى قوله عز وجل: (ويل للمطففين * الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون * وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون*ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون * ليوم عظيم * يوم يقوم الناس لرب العالمين).
وهذه الأثرة التى تظهر فى ضعف الإيمان بالحق والجزاء، كما تظهر فى بخس مكيال أو ميزان، تظهر فيما هو أكبر وأجل.
وقد ذكر القرآن صورة أخرى لها فى الرجل يقبل الحكم له لأنه مغنم، ويرفض الحكم عليه لأنه مغرم، غير ناظر لعدالة أو مصلحة عامة: (وإذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم إذا فريق منهم معرضون * وإن يكن لهم الحق يأتوا إليه مذعنين * أفي قلوبهم مرض أم ارتابوا…)

الصفحة 147