كتاب جدد حياتك

نقاء السر والعلانية
علاج الأمور بتغطية العيوب وتزويق المظاهر لا جدوى منه ولا خير فيه، وكل ما يُحرزه هذا العلاج الخادع من رواج بين الناس أو تقدير خاطئ لن يغير شيئاً من حقيقته الكريهة.
ومن هنا لم يحمل الإسلام بالظواهر إذا كانت ستاراً لتشويه معيب، أو نقص شائن، فما قيمة المظهر الحلو إذا كمن وراءه مخبر مر؟! من قديم غالى العرب بجمال الحقيقة، ولم يسمحوا للعنوان ـ وإن لم يكن كفأها ـ أن يخدش من قدرها، فقال قائلهم:
إذا المرء لم يدنس من اللؤم عرضه … فكل رداء يرتديه جميل!!
على حين حقروا جمال الملامح إذا كانت النفس خبيثة، والخلق وضيعاً، فقال الشاعر:
علي وجه مى مسحة من ملاحة … وتحت الثياب الخزى لو كان باديا
ألم تر أن الماء يكدر طعمه … وان كان لون الماء أبيض صافيا؟
من أجل ذلك لم يعتد الإسلام بتكمُّل الإنسان وتجمله إلا إذا قام هذا التسامى على نفس طيبة، وصحيفة نقية، وفؤاد زكى، وضمير أضىء من داخله، فله سناً يهدى صاحبه إلى الصراط المستقيم.
الجمال عمل حقيقى فى جوهر النفس، يصقل معدنها، ويذهب كدرها، ويرفع خصائصها، ويعصمها من مزالق الشر، وينقذها من خواطر السوء، ثم يبعثها فى الحياة كما تنبعث النسمة اللطيفة فى وقدة الصيف، أو الشعاع الدافئ فى سبرة الشتاء ....
وعندما تبلغ النفس هذا المستوى ترتد وساوس الشيطان عنها لأنها لا تجد مستقراً فيها، بل لا تجد مدخلا إليها.

الصفحة 151