كتاب جدد حياتك

وهذا الحديث وأمثاله جرعة تحيى الأمل فى الإرادة المخدرة، وتنهض العزيمة الغافية وهى خجلى لتستأنف السير إلى الله، ولتجدد حياتها بعد ماض ملتو مستكين (1)!.
لا أدرى لماذا لا يطير العباد إلى ربهم على أجنحة من الشوق بدل أن يساقوا إليه بسياط من الرهبة؟ إن الجهل بالله وبدينه هو علة هذا الشعور البارد، أو هذا الشعور النافر - بالتعبير الصحيح ـ مع أن البشر لن يجدوا أبر بهم ولا أحنى عليهم من الله عز وجل.
وبره وحنوه غير مشوبين بغرض ما، بل هما من آثار كماله الأعلى وذاته المنزهة.
وقصة الإنسان تشير إلى أن الله خلقه ليكرمه لا ليهينه، وليسوده فى العالمين، لا ليؤخر منزلته أو يضع مقداره:
(ولقد مكناكم في الأرض وجعلنا لكم فيها معايش قليلا ما تشكرون * ولقد خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم).
ووظيفة الدين بين الناس أن يضبط مسالكهم وعلائقهم على أسس من الحق والقسط حتى يحيوا فى هذه الدنيا حياة لا جور فيها ولا جهل .. فالدين للإنسان ـ كالغذاء لبدنه ـ ضرورة لوجوده ومتعة لحواسه.
والله عز وجل ـ بشريعته ـ مع الوالد ضد عقوق الولد، ومع المظلوم ضد سطوة الظالم، ومع أى امرئ ضد أن يصاب فى عرضه أو ماله أو دمه.
فهل هذه التعاليم قسوة على البشر ونكال بهم؟! أليست محض الرحمة والخير؟!.
وإذا كلف الله أبناء آدم بعد ذلك ببعض العبادات اليسيرة، ليحمدوا فيها آلاءه ويذكروا له حقه، فهل هذه العبادات المفروضة هى التى يتألم الناس من أدائها، ويتبرمون من إيجابها؟!.
الحق أن الله لم يرد للناس قاطبة إلا اليسر والسماحة والكرامة، ولكن الناس أتوا أن يستجيبوا لله وأن يسيروا وفق ما رسم لهم، فزاغت بهم الأهواء فى كل فج، وطفحت الأقطار بتظالمهم وتناكرهم.
ومع هذا الضلال الذى خبطوا فيه فإن منادى الإيمان يهتف بهم أن عودوا إلى بارئكم.
إن فرحته بعودتكم إليه فوق كل وصف. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " "لله أفرح بتوبة عبده المؤمن من رجل نزل فى أرض دوية مهلكة، معه راحلته، عليها طعامه
__________
(1) اقرأ مبحث الخطيئة والمتاب في كتابنا"عقدية المسلم".

الصفحة 16