كتاب جدد حياتك

ولو أن هذه القلوب العطاش إلى اليقين والسكينة وجدت مفتاحها الأصيل لانفرج الباب الموصد، ولنهلت هذه الأفئدة المحرومة من نطاف الإيمان الصافى ما يروى غليلها.
على أن أصحاب النفوس الكبيرة لم يقفوا مكتوفى الأيدى أمام أزمة "الحق" التى تجتاح بلادهم.
فبحثوا عن الله وحده، ومدوا حبالهم إليه وحده، ولم يروا فى غيره إلا بشرا مثلهم ولو كان عيسى نفسه.
وبذلك تأسس إيمان صحيح ـ وإن يك محدودا ـ بعيدا عن الكهانات وطقوسها وتعاويذها وتماثيلها.
وهذا الإيمان لا يسمى إلحادا وإن لم يدن بالتوراة والإنجيل والقرآن، لأنه يجهل الأخير، أو يعرفه على غير وجهه، ولأن الأولين لا ينسجمان مع طاقته العقلية والنفسية الواسعة.
***
وعلى هذا الأساس الذى مهدناه نتمشى مع "ديل كارنيجيى" وهو يقول: القيت "هنرى فورد" قبل وفاته، فتوقعت أن أرى عليه سيماء رجل منهك القوى منهك فرط الجهد الذى بذله فى إنشاء مؤسسة تجارية من أضخم المؤسسات فى العالم، غير أنى فوجئت حين وجدته على درجة كبيرة من الرزانة والهدوء، وكأنه آية فى الاتزان والطمأنينة.
برغم بلوغه الثامنة والسبعين من عمره.
فلما سألته: هل عانى من القلق شيئا؟ أجاب: كلا، فإنى أعتقد أن الله ـ سبحانه ـ قدير على تصريف الأمور، وأنه ـ تعالى ـ فى غير حاجة إلى نصيحة منى، ولهذا فأنا أترك له تصريف أمورى بحكمته جل شأنه، فعلام إذن يتولانى القلق؟!).
هل كان "فورد" زميلا لابن عطاء الله السكندرى فى هذا المنطق الممتلئ بالتسليم والثقة فيما تجئ به الأقدار؟!
إن كان المستر "فورد" لم يعرف ابن عطاء الله ولم يأخذ عنه، فإليك خلاصة لكلام هذا العالم المسلم تلمح فيه قوة الشبه بين المنطقين، على تباعد الديار والأعصار!!

الصفحة 162