كتاب جدد حياتك

وشرابُه، فوضع رأسه فنام نومة، فاستيقظ وقد ذهبت راحلته!! فطلبها، حتى إذا اشتد عليه الحر والعطش، أو ما شاء الله، قال: أرجع إلى مكانى الذى كنت فيه فأنام حتى أموت ... فوضع رأسه على ساعده ليموت، فاستيقظ فإذا راحلته عنده عليها زاده وشرابه، فالله أشد فرحا بتوبة المؤمن من هذا براحلته ".
ألا يبهرك هذا الترحاب الغامر. أترى سرورا يعدل هذه البهجة الخالصة؟.
إن أنبل الناس عرقاُ وأطهرهم نفساً قلما يجد فؤاداً يتلهف على لقائه بمثل هذا الحنين. فكيف بخطاء أسرف على نفسه وأساء إلى غيره؟.إنه لو وجد استقبالا يستر عليه ما مضى لكان بحسبه ذلك الأمان المبذول! ليستريح ويشكر.
أما أن يفاجأ بهذه الفرحة، وذلك الاستبشار، فذاك ما يثير الدهشة.
لكن الله أبر بالناس وأسر بأوبة العائدين إليه مما يظن القاصرون!!. وطبيعى أن تكون هذه التوبة نقلة كاملة من حياة إلى حياة، وفاصلاً قائما بين عهدين متمايزين، كما يفصل الصبح بين الظلام والضياء.
فليست هذه العودة زورة خاطفة يرتد المرء بعدها إلى ما ألف من فوضى وإسفاف.
وليست محاولة فاشلة ينقصها صدق العزم وقوة التحمل وطول الجلد، كلا .. كلا.
إن هذه العودة الظافرة التى يفرح الله بها هى انتصار الإنسان على أسباب الضعف والخمول، وسحقه لجراثيم الوضاعة والمعصية، وانطلاقه من قيود الهوى والجحود، ثم استقراره فى مرحلة أخرى من الإيمان والإحسان، والنضج والاهتداء.
هذه هى العودة التى يقول الله فى صاحبها:
(وإني لغفار لمن تاب و آمن و عمل صالحا ثم اهتدى).
إنها حياة تجددت بعد بلى، ونُقلة حاسمة غيرت معالم النفس، كما تتغير الأرض الموات بعد مقادير هائلة من المياه والمخصبات.
إن تجديد الحياة لا يعنى إدخال بعض الأعمال الصالحة، أو النيات الحسنة وسط جملة ضخمة من العادات الذميمة والأخلاق السيئة، فهذا الخلط لا ينشئ به المرء مستقبلا حميدا، ولا مسلكا مجيدا.
بل إنه لا يدل على كمال أو قبول، فإن القلوب المتحجرة قد ترشح بالخير، والأصابع الكزة قد تتحرك بالعطاء.

الصفحة 17